اخترت لكم الشهر الكريم محطة لتربية النفوس …نجيبة المعالج دربال
هذا الشهر الكريم فيه محطات لتربية النفوس و تهذيبها بالصفات الجميلة و الأخلاق الحسنة و الاحترام المتبادل شهر رمضان مدرسة تربوية و أخلاقية عظيمة ينبغي للمسلم أن يتعلم منها و أن يتربى على فضائلها حتى تكون أخلاقه سمة أصيلة في شخصيته .
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له» رواه الترمذي . فرسالة الأخلاق في الإسلام تهدف إلى إصلاح الفرد والجماعة وبناء مجتمع قويّ على أساس متين من المحبّة والتعاون فهو كالبُنيان المرصوص يشدُّ بعضهُ بعضا. وما أكثر الفضائل الأخلاقية الّتي دعا إليها الإسلامُ كما نهى عن كثير من الرذائل التي تُورِثُ العداوةَ بين الأفراد وتضعف المجتمع، ومنها السّخرية بالنّاس، واللّمزُ، والتنابزُ بالألقاب. قال تعالى: “يا أيّها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمُزوا أنفسكم ولا تنابزُوا بالألقاب بِئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” سورة الحجرات الاية 11. فالله عزّ وجلّ نهانا عن السخرية والاستهزاء بالآخرين واستصغارهم واحتقارهم لعاهة أو ضعف أو عجز أو فقر أو آفة أو غيرها… وأمرنا بأن نحترم الغير ونحافظ على كرامته وشعوره فلا نرمي إنسانا بالغيبة في حضوره أو غيابه، فنلصق به صفة البخل أو الدناءة، أو التطفّل، أو الفقر ونحو ذلك مما لا يرضاه المُغتاب أو المخاطب، كما يأمرنا بألا نتراشق بالأوصاف الذميمة أو الأسماء التي تشعرُ بالهوان وربّما تجعل من هذا اللفظ المذموم لقب سوء يُعرف به المنبوذ، وينادى به عوضا عن اسمه المحبوب، فالمستهزَأُ منه قد يكون عند الله خيرا ممن سخِرَ منه الساخر والذي ظلم نفسه باستهزائه ممن يوقّره الله، ومن نجهل مكانته في مستقبله فربّما يكون صاحب مركز مرموق عند الله أفضل مما هو عليه المُستهزئ، فكثيرا ما تثُور كرامة المذموم فيلصق بالساخر به عيوبا ليست فيه، أو يبحث له عن عيوب يُلبسه إياها، وهكذا تنتشر العداوة ويعمّ الحِقد بين الناس، وتُذاع الشتائم والألقاب الذميمة ويزول الاحترام من النفوس وهذا ما نهانا عنه ربّ العالمين ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم سيّد المُرسلين الذي يقول: “إن شرّ النّاس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتّقاء محنته” رواه البخاري ومسلم عن عائشة. وقال أيضا: “المُسلم أخو المسلم لا يظلمُه ولا يخذِله ولا يحقِرُه” من حديث رواه مسلم. فإن السلف الصالح قد اتصفوا بأخلاق القرآن والسنة وعظموا الآخرين لتقواهم، وقوة إيمانهم، وتشبثهم بدينهم وخالقهم وإخلاصهم في أعمالهم وأموالهم ومظاهرهم. فلم يبحثوا عن عيوب إخوانهم بل فتشوا عن عيوب أنفسهم فأصلحوها، كما فتشوا عن حسنات الآخرين فتحدثوا بها وأذاعوها، لأن كل فرد في هذه الحياة له عيوب وحسنات وربّما دارت عليه الأيّام فأمسى سخرية للآخرين. إن كلّ من يقلد الأعرج في مشيته، أو المتعتع في حديثه، أو يرسم أخاه في شكل هزليّ لا يرضاه يهدف من وراء ذلك تحقيره وإظهار عيوبه للسخرية منه ولإضحاك الآخرين عليه حرام في الدين لأن المؤمنين كنفسٍ واحدة ومن عاب أخاه كأنما عاب نفسه. إن رسالة الأخلاق في الإسلام هي تهذيب للنفس واللّسان وبقية الأعضاء، حتى يتكوّن المجتمع الفاضل على أساسٍ من الاحترام المتبادل والشعور بكرامة الآخرين. فعلينا احترام الغير ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ففي ذلك احترام لأنفسنا وهدف أصيل من أهداف القرآن الكريم والسنة النبويّة لحفظ وحدة الجماعة وكرامة الفرد ونشر روح المحبة والتعاون بين جميع أفراد المجتمع.
اللّهم اغفر لنا واهدنا وأجرنا وارفعنا وعافنا واُرزقنا واُجعلنا ممن كان الله في عونهم ماداموا في عون إخوانهم المسلمين.
و بخير الكلام نختتم نسمتنا ، ونحن في شهر الصيام ، شهر نزول القرآن ، تقبّل الله منا و ومنكم صالح الأعمال و صلى الله على سيد الأنام محمد نبي الرحمة و السلام .
أعطر تحيات نجيبة المعالج دربال.