التغير المناخي وأزمة المياه في تونس…لُبنى حمُّودة
من ينقذ كوكب الأرض،من يعيد للطبيعة جمالها،و من المسؤول عن اختلال التوازن البيئي والتغير المناخي؟
اكتشف العلماء أن التلوث البيئي لم يبدأ مع الثورة الصناعية وتطور التكنولوجيا بل بدأ من عصور ما قبل التاريخ منذ أن اكتشف الإنسان الأول النار, فقد عثر على آثار “السخام” على سقوف الكهوف،كما أدت صناعة الأدوات في العصر الحديدي إلى بعض التلوث في تلك الحقبة من الزمن ،غير أن الضرر الحقيقي بدأ يلحق بالأرض مع بداية الطفرة العلمية.. لقد عاش الإنسان خلال قرون وعقود في سباق محموم في مجال التكنولوجيا، لكن في نفس الوقت فإن تطورات عكسية أخرى كانت تحدث كارتفاع نسبة احترار الأرض وما واكب ذلك من تغيرات جوية غير مألوفة كتلوث الهواء،حمضية المحيطات،ذوبان الجليد،عواصف ،زلازل،جفاف،ولم يعد هناك شيء لم يتأثر بالتغير المناخي،
الذي تعود أسبابه لانبعاثات الغازات الدفيئة نتيجة استعمال الوقود الأحفوري (النفط،الغز،الفحم) الذي يتسبب عند حرقه لإنتاج الطاقة في انبعاثات ضارة من الغازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون و حتى الميثان ..ويستعمل الوقود الأحفوري في عديد المجالات كالنقل،الصناعة،التجارة،الزراعة وغيرها ..كل ذلك يحدث بالتزامن مع إزالة المساحات الخضراء التي تمتص ثاني أكسيد الكربون لحساب الأنشطة الزراعية والتوسع العمراني ،و تشير الإحصائيات أنه يتم سنويا تدمير ما يقارب 12مليون هكتار من الغابات.
وبين نجاحات إقتصادية وتكنولوجية عاشها العالم طويلا ،وبين غضب الطبيعة حديثا دق ناقوس الخطر وعلت أصوات منددة بالأنشطة البشرية التي أضرت بالكرة الأرضية، خاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجاء تقرير مختبرات غرينبيس للبحوث “على شفير الهاوية” ليسلط الضوء على الآثار التي سببها التغير المناخي والذي أعلنت فيه المنظمة أن المنطقة تشهد دون غيرها من بقاع الأرض احترارا ضعف المعدل العالمي، التقرير ذكر 6 دول هي تونس، الجزائر، المغرب، لبنان، مصر، والإمارات، وقالت كاثرين ميلر المستشارة العلمية في مختبرات غرينبيس “من الواضح أن الكثير من البلدان في المنطقة تشهد ظروفا جافة ودافئة للغاية مقارنة بأجزاء أخرى من العالم ،مما يجعل الحياة صعبة للوهلة الأولى” .كما سلط تقرير البنك الدولي الضوء على التحدي الذي تواجهه تونس، المتعلق بشح المياه وما له من آثار على الزراعة خاصة ,جفاف شديد ونقص في كميات الأمطار لم يعهده بلد كان يسمى بالأمس “مطمورة روما”، كما تحدث التقرير كذلك عن نسبة الفاقد من المياه، في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه من 25 بالمائة في عام 2010 إلى 35 بالمائة في عام 2021 , وكما تعرض التقرير للمنطقة الساحلية واعتبر أن ارتفاع منسوب سطح البحر قد يؤثر على نحو ربع المنطقة بحلول عام 2050
ولمواجهة تداعيات التغير المناخي دعت الأمم المتحدة في قمة باريس سنة 2015 جميع الدول الأطراف إلى العمل بما جاء في اتفاق القمة ، و إلى اعتماد سياسات تساعد في احتواء الزيادة في درجات الحرارة ،وفي هذا الإطار تواجه تونس تحدي يهدف إلى تخفيض كثافة الكربون في جميع القطاعات بنسبة 41 بالمائة في عام 2030 مقارنة ب2010 ،ومن الإجراءات
التي وقع اتخاذها للحد من آثار التغير المناخي الشروع في إنجاز محطات للطاقة الشمسية والطاقة البديلة ،إرساء مجموعة من المشاريع الفلاحية كمشروع “رجيم معتوق” بالجنوب, والاستغناء عن الزراعات المستهلكة للماء بأخرى تتماشى مع ما تشهده البلاد من شح في المياه،مع ترشيد استهلاك المياه ،كما تم منذ أيام إطلاق مشروع “تقاسم الموارد غير المستغلة مع الصيادين والفلاحين”،والذي يهدف إلى دعم أكثر من 9000 فلاح وصياد، ودعم الشركات الناشئة، والتعاونيات في إطار الزراعة والصيد البحري ،كما يرمي المشروع إلى المساعدة على إيجاد آليات تستبق تأثيرات تغير المناخ ، و إنشاء نظام تحكم في الكوارث الطبيعية.
لقد عاش الإنسان بسلام على الأرض في ظل اتزان دقيق للحرارة، لكن حين عبث بغلافها الجوي بكل أنواع الملوثات، ولم يكتف بل قام بإزالة مساحات خضراء شاسعة حصد ما بذر..ويتخوف المراقبون والمتخصصون في مجال البيئة من استمرار حالة اللامبالاة وعدم الإسراع في التصدي لأخطار التغير المناخي قبل فوات الأوان، يقول ثور هايردال :”في قتال الطبيعة يمكن للإنسان أن يفوز في كل معركة ما عدا الأخيرة فلو أنه فاز فيها أيضا فسوف يهلك كمثل جنين يقطع حبله السري.