
التونسي ما عادش بالكِلْمة
” اللي عطى كلمته عطى رقبته “.. ما أحوجنا إلى هذا المثل الشعبي و نحن نعيش واقعا مريرا مليئا بسوء الخُلُق و من أهم مظاهره الكذب و المماطلة و النفاق و قلبان الفيستة و إخلاف الوعد.. عادي جدا أن تتفق مع مصنع أثاث أو صالونات أو حتى حلويات أو مع كهربائي أو سبّاك أو بنّاء أو نجّار أو ميكانيكي أو مصلح بارابول أو أي صنايعي حول موعد لتسليم بضاعة أو لإصلاح عطب فتنتظره و لا يأتي و لن يأتي و لن يعتذر بل عليكَ أن تلحّ عليهم مرات و مرات و قد تنجح في النهاية بعد أن تحترق أعصابك.. أغلبهم يشترطون عليك التسبقة حتى يبدؤوا بالعمل فتنجز وعدك و يخلفون وعدهم بل يماطلون أو يتبخرون و يختفون من البلاد رغم أن الأصل حتى في الإسلام دين الحق و الحقوق أن يعطى الأجير أجره بعد نهاية عمله.. و الأمر نفسه عندما يلهث المواطن بين مكاتب الإدارة لتسلّم وثيقة بسيطة فتتمّ مماطلته و ” يبعثونه “… قد تتفق مع صديقك حول موعد فيخلفه دون اعتذار في الغالب و قد يعتذر لك و يتعلّل أنه مشغول و أنه سيقابلك مرة أخرى و لن تأتي المرة الأخرى أبدا رغم مرور السنين و الأعوام ! و من أسوإ العبارات التي درجت على ألسن الناس حين يريدون ” تتليفك ” أو طردك بضخامة ” تو نكلّمك ” و تبقى عبارة في مهبّ الريح شأنها شأن ” اطمان ” و ” مريقل ” و غيرها من العبارات الركيكة الكاذبة… قد يفعل الناس ذلك استخفافا بالآخرين أو ظنا منهم أنهم يردّونهم بلباقة بينما الصراحة أفضل من النفاق و جعل الشخص معلّقا في انتظار لقاء أو إنجاز عمل لن يتمّ ! و كذلك العروض الوهمية لبعض شركات الاتصال أو وكالات التأمين و الأسفار أو مصلحة ما بعد البيع أو المطاعم و المقاهي أو بعض العلامات التجارية الغذائية أو الميكانيكية أو الإلكترونية الذين يغرونك في البداية ثم تصطدم بسوء الخدمات بعد أن تقع في الفخ و كذلك يفعل السياسيون قبل الانتخابات و أثناء مباشرتهم لمهامهم و بعد الخروج منها فتجدهم يبيعون الأوهام للمواطنين في كل محطة… ديننا يحذّر من هذا الخُلُق السيء و الشواهد على ذلك كثيرة في القرآن و السّنّة و سِيَر الصالحين يكفينا منها قول الحق سبحانه و تعالى : ” وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ” و قول الرسول محمّد صلّى الله عليه و سلّم : آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَ إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “.. الكذب و إخلاف الوعد مرض سَرَتْ عدواه بسرعة بين الناس فأصبح منتشرا بكثرة و يا للأسف و في هذا سوء خُلُق و استهزاء بالآخر و الأهم منه أنه كما تُدين تُدان فإذا نكثتَ وعدكَ مع غيركَ فسيأتي حتما من ينكث عهده معك و بهذا تفسد أحوال الناس و تتعطّل مصالحهم و تقلّ الثقة بينهم و يحلّ محلّها الحزن و الكره و الضغينة بينما يمكن تفادي ذلك بالكِلْمة.
سامي النيفر