
التونسي والملوخيّة… قصة عشق لا تنتهي
تعتبر الملوخية من الأكلات الشعبية المحبوبة في مصر والسودان وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والمغرب والجزائر وتونس طبعا…
والقصص في ذلك كثيرة ومثيرة : فيقال إن الملوخية “تفضح” أهل المنزل الذي يعدّها وتشتمّ من بعيد في الحي أو العمارة. والملوخية حاضرة حتى في الدراما التونسية شأنها شأن الشكشوكة والكسكسي والمقرونة والبريك والسلطة المشوية والكمّونيّة… ومن الطرائف في هذا الصدد ما قاله “فوشيكة” في “شوفلي حل” من أنّ ملوخيّة أمّك فضيلة تجعل من “يحرق” في طريقه إلى لامبادوزا يعود إلى تونس !
وكذلك هناك قصة مؤثرة للعروي وقع تصويرها للتلفزة في بداية الألفية وهي لابنة اشتهت على أمها الفقيرة الملوخية وظلت كل يوم تتمناها وعندما بدأت تجمع الأموال لتشتريها تعرّض لها قطّاع طرق بقيادة “لمين النهدي”… كما حضرت في فلم “شارع الحب” عندما صبّت زينات صدقي الملوخية من شرفتها على رأس حبيبها عبد السلام النابلسي الذي كان لتوّه يدعو الله بالرزق ثم راح أصدقاؤه يلحسون وجهه… وكذلك نجدها في مسلسل “للعدالة وجوه كثيرة” عندما لجأ يحي الفخراني لبيت فريد وراقب زوجته سناء عندما كانت تطبخ وشكرها على “طشّة الملوخية”… وهذه الأكلة حاضرة بأشكال مختلفة في تونس وعديد البلدان والأديان (خاصة يهود مصر وتونس)، فنعلم كلنا أنها في مصر تكون بلحم الأرانب أو الدجاج وذلك ممكن ولا ينبغي السخرية منه، وفي الشام تكون بفتات اللحم والدجاج.
أمّا في بلادنا، فقد عُرفت أنها باللحم البقري ويمكن أن تكون بلحم العلّوش أو “الكرش”، وفي كلٍّ خير، وللنّاس في ما يعشقون مذاهب ! واشتهرت الملوخية خاصة في قابس شأنها شأن الحنّة وقد يخلط بينهما سهوا لتشابه لونيهما ! ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أنها أيضا مزروعة بإتقان في قليبية والهوارية والوطن القبلي وفي مناطق أخرى… وقد يتمّ خداع الشاري بالقول إن هذه ملوخية قابسية أو نابلية أو غير ذلك على أساس أنها خاصة وأفضل من غيرها وربما يرفعون من ثمنها دون موجب والحال أنها تكون جيدة في أي مكان إذا كان الضمير حاضرا…
وقد كان جدّي رحمه الله يجلب أوراقها من قليبية ويتمّ رحيها وتصنيعها في المنزل “دياري” وفي ذلك لذّة خاصة وخالصة… وعموما، فالملوخية اليابسة أكثر فائدة من الطازجة… ومن المنافع الأخرى لهذه الأكلة أنها تهدّئ الأعصاب وتقوّي البصر والقلب وتليّن المعدة وهي غنيّة بالفيتامين “أ” و”ب” وفعّالة ضدّ فقر الدّم وهشاشة العظام والعقم ومرض السكري من النوع الأول (تولّد الأنسولين) وتعزّز جهاز المناعة وتساعد الحوامل وتحمي من الشيخوخة… وهي غنية بالحديد والفسفور والكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم والمنغنيز… وهي “مَلِكَة” ومفيدة لوحدها فلا نضيف إليها خضرا أو زينة كثيرة… ولعلها من الأطباق الفخرية الشرفية التي فيها “بريستيج” (مثل الكمّونيّة) ويتفنّن النّساء وحتى الرجال في طهيها وربّما يبالغون في التفاخر بلذة طبخهم على غيرهم…
فهناك من يضيف الكركب أو أوراق البرتقال أو الرند أو الهروس… والواقع أنّ هناك شططا في تصوير طول مدّة طبخها فتكفي 3 ساعات فقط حتى تحضر وتكون لذيذة ولكن البعض يحاول أن يصوّر صعوبتها ومشقّتها بالقول إنها تتطلّب يوما كاملا وآخرون يقولون إنها تُطبخ على يومين ! وقد أشار كمال التواتي “رزوقة” في سلسلة “اضحك للدنيا” أنّ الملوخية هي الطبق الوحيد الذي يزداد لذّة بعد أن “نجمّره”… وقد ارتبطت الملوخية في صفاقس برأس السنة الهجرية تفاؤلا بلونها الأخضر ولكننا نطبخها على مدار السنة ولطالما اقترحتها الخبيرة جميلة بالي في دبارة الأسبوع غير أن العادات الحديثة جعلت منها طبقا مناسباتيا… طبعا هناك جهات أخرى تحضّر الكسكسي بالقدّيد أو البيض الملوّن وهذا جميل للاحتفال والفرح والتفاؤل مع العمل على تصفية القلوب كذلك….
اطبخوا الملوخية وتلذّذوها واستبشروا بلونها واستمتعوا بفوائدها… فهي تفرح الصغار كما الكبار في المناسبات وفي سائر الأيام… كل عام وأنتم بخير
سامي النيفر