
التّمري والسّلطاني : نوعان رائعان من التين مفقودان
تشير عديد المصادر إلى أنّ هناك أكثر من 700 نوع من التين حول العالم.. ومع ذلك، نحن في تونس لا نجد إلا البيثر في آخر الربيع و”الخضري” وهو قليل.. وهناك “التونسي” أو “الزّيدي” وهو الأشهر.. ولكنّنا نسينا كرموس الأجداد رحمهم الله، نسينا نوعين رائعين رائقين بالعسل يقطران وبالخير ممتلئان… نسينا الشجرة الملكة السلطانة التي منها نأكل “السلطاني” وهو تين أسود قشرته سميكة وأحمر من الداخل ونافع ومليء بالفيتامينات وهو رطب الملمس ولا يفسد بسرعة ويظل جافّا وكذلك خادمة السلطانة أختها “التّمريّة” التي تكون قشرتها خضراء سميكة مشقّقة وتكون ثمرتها عسليّة ورطبة شهيّة… كم كان يحلو لنا تناول التّمري والسّلطاني من الشجرة مباشرة فتكون بضع ثمرات طريّة ومقوّيّة ولذيذة وتشبعنا سريعا وتعوّض وجبة طعام كاملة خاصة إذا أكلناها مع الزّمّيط… وكانت هذه الغلال العتيقة الأصيلة مقاومة لعوامل التعفن ونصنع منها “الشّريح” النّافع الذي يبقى معنا في علب طوال الشتاء فكانت بمثابة العولة… كنّا نجفّف الثمرات في الشمس ولا نخاف من حشرات أو ذباب أو غبار أو كلاب. ولكن في هذا العصر الغريب، من ذا الذي يقدر على إيجاد الثمرة أولا ثمّ من تقوم بهذا العمل المضني ثانيا ومن يضمن سلامة الهواء الملوّث والعوامل الطبيعية القاسية ثالثا حتى يحضر الشّريح ومن ذا الذي يرغب فيه رابعا وبعضهم يجهل منافعه… وكان يفترض أن يكون الشّريح أو القدّيد أكل الفقراء فإذا بثمنهما أغلى من التين أو اللحم وذلك من سخرية الزمان وقلّة البركة التي أصابتنا ! اليوم نجد خاصة “الزيدي” وهو ليس كله أصليا وليس الجفاف هو أصل البليّة ولكنها قلة عنايتنا بالفلاحة وعدم اهتمامنا بمشاتل الأجداد وتفريطنا فيها للبناءات الإسمنتية والإسفلتية وللحداثة الكاذبة… هنيئا لمن مازالت له هذه الشجرة المباركة من عصر أجداده. أمّا من أراد تدارك الأمر وغراسة نبتة جديدة فسيجد شتلات غير أصلية وأسعارا مرتفعة والسؤال أيضا : لماذا أسعار الشتلات في صفاقس أغلى من المدن الأخرى حتى إن الفلة تباع من 10 إلى 25 دينارا عند بائع متجوّل ؟ وأين المندوبيات الفلاحية وإدارة الغابات في صفاقس وغيرها من المدن وأين المجتمع المدني وأين محبّو البيئة ؟ ومع ذلك فقليلا ما ستجد “تمريّة” أو “سلطانيّة” حتى مغشوشة وبسعر مرتفع سواء أكانت شتلة أم ثمرة لأنها صارت من الماضي وقد تكون رحلت مع الطيبين حتى إنك قد لا تجد تمريّة في زنقة بو تمري ولا سلطانية حتى في دار السّلطان… سلام عليكما أيتها الشجرتان المباركتان وعلى كل الأشجار في طريق الانقراض وسلام على الطبيعة وعلى أخلاق بعض أهل الحاضرة.
سامي النيفر