
الجيش الفرنسي يغزو المملكة التونسية سنة 1881 وصفاقس تقاوم… بقلم د. محمد الناصر بن عرب
احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 التي كانت إيالة عثمانية. وبما أن الدول الأوروبية عقدت العزم على تفكيك الدولة العثمانية كانت فرنسا يراودها الاستيلاء على المملكة التونسية التابعة للدولة العثمانية. وقد مهد مؤتمر برلين المنعقد سنة 1878 الطريق لفرنسا لغزو تونس بموافقة ألمانيا وبريطانيا التي استولت على قبرص. وكانت فرنسا تترقب ذريعة لغزو تونس. فكانت ذريعتها توغل رعاة الغنم المعتاد في جبال خمير في الجزائر التابعة للاحتلال الفرنسي.
ففي 6 نيسان/ أفريل 1881 اتصل قنصل فرنسا بتونس بالباي يعلمه أن الجيش الفرنسي سوف يتدخل في الأراضي التونسية لمنع قبائل جبال خمير التوغل في الجزائر المحتلة. وفي 7 نيسان / أفريل تحصل جول فاري على مصادقة البرلمان الفرنسي لتمويل غزو المملكة التونسية قدره 5,7 مليون فرنك.
وفي 27 نيسان / أفريل توغل 28.000 جندي فرنسي في أراضي المملكة التونسية إلى غاية طبرقة وتونس العاصمة بقيادة اللواء فورجمول دي بوستكاينار. وقد اتجهت بعثة حربية أخرى من سوق هراس إلى تونس العاصمة.
في 1 أيار / ماي 1881 توجهت القوات الفرنسية بقيادة اللواء جول أماي برايار إلى بنزرت.
وفي 3 أيار /ماي تقدمت القوات الفرنسية إلى ضواحي تونس العاصمة.
وفي 11 أيار/ ماي 1881 توجه اللواء برايار إلى الباي واقترح عليه الحماية الفرنسية بواسطة معاهدة باردو بقصر السعيد لكن في 12 أيار/ ماي أُجْبِر محمد الصادق باي على توقيع المعاهدة.
في البداية وتحديدا في الشمال التونسي لم يتعرض الجيش الفرنسي إلى مقاومة قوية فاستطاع الهيمنة عليه دون عناء وشرع في نزع أسلحة القبائل وفرض تسليم البغال لخدمة النقل التابع للجيش الفرنسي وفرض عليها جزية على كل خيمة وتسليم الرهائن الفرنسيين المحتجزين من طرف المقاومة.
وبقدر ما كان الاحتلال الفرنسي سهلا في الشمال كانت مدينة صفاقس مركز الثورة والمقاومة التونسية ضد هذا الاحتلال. فقد تمكن غضب الشعب وعصيانه على جيش الباي ورفضه للاحتلال الفرنسي من جمع شمل رؤساء القبائل ورجال الدين يوم 10 حزيران/ جوان 1881 بجامع عقبة بن نافع بالقيروان الذين عقدوا العزم على مقاومة الفرنسيين بالحديد والنار. وفي 15 حزيران/ جوان استطاع علي بن خليفة النفاتي قائد قبيلة نفات بمساعدة قبيلة المهذبة أن يحقق انتصارا رمزيا على عساكر الباي فتم تعيينه بايًا على تونس في 2 تموز/ جويلية من قبل المتمردين واتخذوا صفاقس عاصمة مؤقتة لهم. فقامت القوات الفرنسية بغارات على عديد القبائل وأرسلت فرنسا جيشا مؤلف من 50.000 جندي إلى صفاقس ومدرعا قويا للغاية يتألف من تسع سفن حربية واثنين من جنود النقل.
وابتداء من شهر تموز/ جويلية 1881 تعرضت مدينة صفاقس لقصف عنيف ومدمر بمدفعية الجيش الفرنسي.
وفي 15 تموز/ جويلية اشتدت نيران المدفعية. وفي فجر 16 تموز / جويلية، تم الاستيلاء على مدينة صفاقس بعد قصفها بشكل مستمر على المنازل والمآذن والمباني. وقد بلغ وزن قذائف المدفعية الفرنسية 187 كيلو حطمت نيرانها الأحياء وأصبحت رمادا وركاما من الحجارة. ورغم ذلك استمر المقاومون على دفاع المدينة فتم إنزال 2800 جندي فرنسي لاقتحام الشاطئ. وحسب عدة روايات تواصل القتال داخل المدينة. ونظرا لشدة المقاومة قررت فرنسا اقتحام الأحياء وتفجيرها. وتواصلت الاشتباكات في شوارع المدينة ولجأ العديد من السكان إلى أقبية المنازل واستمروا في إطلاق النار على الجنود الفرنسيين فاضطر جيش الاحتلال إلى تفتيش كل المنازل وإعدام كل مقاوم بيده سلاح واستمر هذا الرعب والقتل والخراب ثلاثة أيام كاملة أصبحت المدينة أثناءها خرابا بين الركام والحرائق. فلا ترى إلا ثقوبا ضخمة وثغورا وأنقابا وحفرا ناتجة عن القذائف المستمرة من مدفعية بوارج الجيش الفرنسي.
توقف القصف على الساعة العاشرة ليلا بعدما أطلق الأسطول الفرنسي أكثر من ألفين طلقة مدفعية على مدينة صفاقس أسفرت عن قتل حوالي ثمان مائة شهيد في صفوف المقاومة. وبعد سقوط صفاقس هيمنت فرنسا على كل المدن الكبرى التونسية الواحدة تلوى الأخرى. فاحتلت قابس والقيروان وجربة وسوسة وأصبحت تونس العاصمة تحت الرقابة العسكرية الاستعمارية يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 1881.
فحسب المصادر العسكرية الفرنسية تضل مدينة صفاقس المدينة الوحيدة التي قاومت الاحتلال الفرنسي مقاومة شرسة كما يعترف الجيش الفرنسي ببطولة دفاع المقاومة الصفاقسية. والغريب أن تاريخ مقاومة الاستعمار الفرنسي في الجمهورية التونسية لا يذكر دور أبطال مدينة صفاقس في الدفاع عن الوطن. فلماذا؟