الحق في العمل اللائق وملف المعطلين عن العمل على واجهة الاحتجاجات

الحق في العمل اللائق وملف المعطلين عن العمل على واجهة الاحتجاجات

9 سبتمبر، 17:00

وثّق المرصد الاجتماعي التونسي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 323 تحركا احتجاجيا خلال شهر اوت 2025، في مقابل 234 تحركا خلال نفس الفترة من السنة الماضية وبتراجع طفيف بالمقارنة بشهر جويلية الذي شهد 357 تحركا.
ورغم التراجع “التقليدي” الذي يميز اشهر الصائفة بالمقارنة مع الاشهر التي تسبقها، فان الفاعل الاحتجاجي يواصل التاكيد مع كل حصيلة شهرية لعمل المرصد الاجتماعي التونسي خلال 2025، على عودته للاحتجاج والمطالبة مبتعدا اكثر فاكثر عن حالة الخضوع الشعبي للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عاشه على امتداد السنة الماضية 2024.
ولا تزال قضايا التشغيل وتسوية الوضعيات المهنية ومطالب الاستجابة للاتفاقيات العالقة والحق في النشاط النقابي وصرف الاجور والمستحقات والحق في التشغيل.. تتصدر قائمة المطالب المرفوعة. حيث ارتبط 60% من التحركات التي تم رصدها بمطالب انتداب المعطلين عن العمل من اصحاب الشهائد المعطلين عن العمل والدكاترة العاطلين، وبترسيم الأعوان ، وتحسين ظروف العمل وصرف الأجور والمنح المتأخرة والتنديد بالطرد التعسفي.
وخاض العمال الجزء الاكبر من التحركات المسجلة خلال شهر اوت 2025، اين شاركوا في 148 تحركا احتجاجيا. وكان ذلك بالتوازي مع حضور مهم للسكان الذي خرجوا للاحتجاج والمطالبة بحقوق وخدمات اساسية عمومية أبرزها الحق في الماء الصالح للشراب وفي بيئة سليمة والربط بالطرقات والحق في النقل والصحة كما تم ايضا رفع مطلب صيانة قنوات الصرف الصحي وتحسين الطرقات.
وتواصلت خلال شهر اوت أزمة الانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشراب، خصوصاً في ولايات الوسط والجنوب، ما أدى إلى موجة من الاعتصامات وقطع الطرقات في أكثر من جهة.
ورغم ان موعد العودة المدرسية لم يحن بعد ومازال يفصل عنه نحو الشهر، شهد اوت، تحركات للمعلمين والاساتذة اين طالبوا بتمكينهم من حقوقهم المهنية والمادي، كما سجل احتجاجات لاولياء وتلاميذ طالبت بتحسين البنية التحتية للمدارس وترميم الاجزاء المنهارة منها او المهدد بالانهيار كما نادوا بتوفير نقل قار للتلاميذ من اجل ضمان عودة مدرسية سليمة ومتكافئة لكل التلاميذ.
واستمرت خلال الشهر، التحركات السياسية والمدنية المنددة بالتضييق على حرية الراي والتعبير والرافضة لسلسلة الانتهاكات الصادرة عن الجهاز الامني داخل السجون ومراكز الايقاف، إلى جانب تواصل المطالبة بإطلاق سراح الموقوفين على خلفية نشاطهم المدني او السياسي.
وعلى غرار الاشهر السابقة، عرفت مختلف ولايات الجمهورية خلال شهر أوت تحركات وتظاهرات ووقفات منددة بالعدوان على غزة ومساندة للقضية الفلسطينية جددت مطالبها بتجريم التطبيع. وترافقت في الكثير من الاحيان بتحركات داخل مساحات كبرى وامام علامات تجارية في اطار حملات المقاطعة التي انطلقت منذ 7 اكتوبر.
وبعد سفينة حنظلة التي تم اعتقال طاقمها من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي بمجرد وصولها الى المياه الاقليمية، تعود تنسيقية العمل المشترك من اجل فلسطين في التحرك والتنظيم للمشاركة في فعاليات انطلاق اسطول الصمود العالمي والذي يسجل مشاركة تونسية واسعة انطلق من ميناء سيدي بوسعيد بالعاصمة يوم 10 سبتمبر 2025.
واتخذت التحركات خلال شهر اوت توازن اكبر بين الجهات مقارنة بالاشهر السابقة، و باستثناء ولايات تونس التي احتلت المرتبة الاولى من حيث الحراك الاجتماعي ب 91 تحركا والمرتبة الثانية لقابس التي شهدت 71 تحركا. تقارب منسوب الاحتجاج في بقية الولايات اين عرفت ولاية نابل 27 تحركا يليها ولاية قفصة ب 26 تحركا ثم ولاية القيروان وبن عروس ب18 تحركا وشهدت ولاية القصرين 14 تحركا وولاية تطاوين 11 تحركا وعرفت بقية الولايات نسق ضعيف للغاية في التحركات وصل حدود التحرك الوحيد في المنستير واريانة.
واتجه الفاعل الاحتجاجي خلال شهر اوت الى تنويع اشكال تحركاته الاحتجاجية والاجتماعية، واعتمد في 78 % منها على التحركات الميدانية، فاختار الوقفات الاحتجاجية في 99 مناسبة اما الاعتصام فالتجأ له في 90 مناسبة واعتمد الاضراب في 34 تحركا ولجأ الى اضراب الجوع في 15 مناسبة. كما اعتمد الفاعل لايصال صوته على قطع الطريق وحرق العجلات والمسيرة نحو العاصمة واتلاف المنتوجات الفلاحية والتهديد بوقفة الخدمة والعمل.
أما بالنسبة للفضاء الافتراضي فالتجأ له الفاعل الاجتماعي في 22% من نتائج الرصد المسجلة من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي، وكانت البيانات ووسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي اطارا للتعبير عن الرفض والغضب او مجالا لاطلاق نداءات استغاثة او ايصال رسائل ومطالب للمسؤولين من اجل التدخل ورفع مظلمة او تعديل قرار..
واثث العمال 148 تحركا تم توثيقها خلال شهر اوت. و ياتي بعدهم في الترتيب السكان الذين شاركوا في 47 من التحركات المسجلة يليهم النشطاء الذين كانوا حاضرين في 41 من التحركات. كما كانت احداث العنف التي شهدتها ساحة محمد علي وسط العاصمة ومقر الاتحاد العام التونسي للشعل وراء جزء هام من التحركات النقابية. هذا وخاص الدكاترة المعطلين عن العمل خلال شهر اوت اعتصام امام مقر وزارة التعليم العالي تواصل لعشر ايام.
كما شارك في التحركات المسجلة خلال شهر اوت، الموظفين والاساتذة والمعلمين والاطباء الشبان والصحفيين واحباء النوادي الرياضية والمحامون وسواق سيارات الاجرة “التاكسي الفردي” والاولياء والعاطلين عن العمل من اصحاب الشهائد.
واتجه الفاعل الاحتجاجي في نحو 70% من الحراك المسجل خلال الشهر نحو الحكومة او رئاسة الجمهورية وتمثيلياتها ( الولاية والبلدية) والادارات التي تعود لها بالنظر، في حين عنيت وزارة التربية ب4% من التحركات، واتجه المحتجون نحو الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه في نحو 4% من التحركات وتوزعت بقية التحركات بين صاحب العمل الذي عني باكثر من 12% من التحركات المرصودة، هذا واتجه الفاعل الاجتماعي بمطالب نحو السلط القضائية ووزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والسلط الأمنية ايضا.
وعمد الفاعل الاحتجاجي خلال شهر اوت في 6 مناسبات الى الفعل الانتحاري كخيار فردي، وسجلت ولاية قفصة 3 حالات منها وشملت عسكري انتحر بسلاحه الخاص ومدير مبيت جامعي وضع حد لحياته داخل مقر عمله وشاب يعاني من اضطرابات نفسية بمعتمدية ام العرائس وجد معلقا في حبل داخل منزل عائلته. وشهدت تونس العاصمة محاولة لانتحار طفلة في ال 11 من عمرها عبر تسلق عمود كهربائي وسجلت حالة انتحار لشاب في ولاية القيروان واخرى في ولاية الكاف
واختار 3 منهم الفضاء الخاص “المسكن” ليكون اطارا لوضع حد لحياتهم في حين اتجه 2 نحو اطر العمل ليكون مجال على الاغلب لتبليغ احتجاجي او رفض. اما الفضاء العام فكان خيار الذي تم اختياره في حالة وحيدة من الحالات المرصودة.
ويقدم الأفراد على خيار فعل الانتحاري او ايذاء النفس نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك الضيق والشعور بالعجز واليأس، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تزيد من المشاكل الصحة النفسية للأفراد في ظل غياب لمسارات علاجية او اطر احاطة ومتابعة رسمية معلومة ويمكن الولوج اليه بكل بساطة .
ويمكن القول من خلال حصيلة الرصد ان شهر اوت قد سجل نسق تصاعدي في ظاهرة العنف، واتخذ شكلا مقلقا خاصة في علاقة بظاهرة البراكاجات والسرقة ، وباتت شوارع العاصمة وعدد من جهات البلاد شاهدا على افعال سطو في وضح النهار ووسط اماكن عامة وطرقات رئيسية. الامر الذي اثار ونشر شعور عام بعدم الأمان خاصة وان مرتكبي اعمال العنف كثيرا ما يكونون من القصر او الشباب العشريني.
وسجل طريق ابن سينا -الكبارية خلال شهر اوت في اكثر من مناسبة احداث عنف وبراكاجات لمترجلين وسيارات يتم خلالها تعطيل تقدمها من اجل السرقة عبر الرشق بالحجارة او عبر غلق الطرق. كما سجلت جهة طبرقة براكاج كاد يودي بحياة طفل يبلغ من العمر 15 عاما ونفس المنطقة سجلت اعتداء على سائح جزائري.. وفي بنزرت حاول شاب سرقة سيارة وهي رابضة في احد الشوارع..
ومع تفشي السرقة، تم رصد حالات عنف اخرى اتجهت نحو التطرف وجاءت في احيانا ممسرحة او خارج عن المألوف، أين تم اختطاف طفلة في القيروان من منزل عائلتها بالتوازي مع عملية سرقة شهدها منزلهم، ونفس الجهة سجلت ايضا محاولة اعتداء على ارملة وابنتها من قبل مجموعة من الشبان القاطنين في نفس الحي..
وشهدت الاماكن العامة كالمؤسسات الصحية بدورها اعمال عنف واعتداءات على اطباء وسجل الملعب الرياضي ببنزرت حالة اعتداء على مساعد حكم وحالة من الفوضى والاحتقان. وشهدت محطة القطار بصفاقس بدورها اعتداءات وتهشيم وتخريب غير مبرر من قبل مجموعة من المراهقين ما اثار حالة من الخوف في صفوف المسافرين.
وتواصل الاعتداء على وسائل النقل العمومي خلال شهر اوت اين تعمد مجموعة من الاطفال الى حرق عربة ميترو وتهشيم جزء منها.
وشهد الشهر عدد من احداث القتل في الفضاء العائلي، اين تعمد ابن قتل والدته كما اقدمت خالة على قتل ابن اختها بعد خلال جد بينهما، وشهدت منطقة السيجومي جريمة قتل لبائع متجول كما تم فتح تحقيق في ولاية سوسة حول ملابسات قتل مهاجر من اصول دول جنوب الصحراء الافريقية.
وأمام حجم العنف المسجل في الفضاء العام تجدر الاشارة الى ان مبادرة تشريعية فتم الإعلان عنها من قبل نواب ينتظر ان تحال على المجلس بعد العودة البرلمانية، تهم تعديل عدد من فصول المجلة الجزائية وتتجه نحو تشديد العقوبات لمرتكبي السطو بالعنف، وحسب النص المنشور قد يصل العقوبة إلى 20 سنة سجنا، مع إلغاء إمكانية التخفيف.
ومرة اخرى تشهد مراكز الإيقاف والسجون التونسية حالة موت مستراب وعنف، لتدق ناقوس خطر تواصل الإفلات من العقاب وارتفاعها في صفوف الأمنيين.
وتبقى النساء والفتيات فريسة لعدد من الاعتداءات الجنسية والعنف الزوجي والمجتمعي، اين تم رصد حالة اعتداء قيم على تلميذتين واعتداء مشعوذ عبر التحيل على نساء..
وتستمر مظاهر العنف السيبرني في الانتشار بشكل واضح في الفضاء الرقمي، ويكون وكانه امتداد للعنف التقليدي المنتشر في الفضاء العام، وتكون شبكات التواصل الاجتماعي مجالا لانتشاره. ويتخذ العنف الافتراضي اكثر من شكل ويتوزع بين التنمر والتحرش وخطاب الكراهية والتحريض. فعمد خلال شهر أوت احد المدونيين الى ترويج خطاب عنف وتحريض ضد الاتحاد العام التونسي للشغل كما قام نائب شعب بنشر تدوينة مسيئة وتحمل عبارات تنمر وتقليل من القيمة لرئيسة حزب على خلفية نشاطها السياسي..
ومن المهم التذكير إن العنف في تونس ليس ظاهرة معزولة، بل هو نتاج أزمة مركبة، تجمع بين الاقتصادي والاجتماعي والتربوي.. يقابلها ضعف في السياسات العمومية الوقائية او الردعية.
وأمام ما تعرف الظاهر من تفاقم مطرد، يجدد المرصد الاجتماعي التونسي والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دعوته الى ضرورة اعتماد مقاربات علمية في مواجهة تفشي ظاهرة العنف بمختلف أشكاله، في الفضاء العام او الافتراضي، عبر تعزيز التربية على المواطنة واللاعنف في المناهج. وتطوير آليات التدخل المبكر داخل المؤسسات التربوية والعائلية. ونشر ثقافة احترام الاختلاف والتعددية، وإصلاح المنظومة الأمنية والقضائية بما يضمن العدالة والردع دون تجاوزات. مع التأكيد على دعم المجتمع المدني وتمكينه من لعب دور في الوقاية والمرافقة.

مواضيع ذات صلة