
الخصوصية في زمن الذكاء الاصطناعي… حين يتحوّل الحوار إلى شاهد إثبات…اشرف المذيوب
تصريح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI”، كان كصافرة إنذار حين أقرّ بأن المحادثات مع روبوت الدردشة “تشات جي بي تي” ليست محمية قانونيًا بشكل كامل، وقد تُستخدم ـ عند الحاجة ـ كدليل في الإجراءات القضائية ضد المستخدمين أنفسهم.
تصريحٌ يبدو في ظاهره تقنيًا بحتًا، لكنه يُخفي في جوهره أزمة أخلاقية وقانونية معقدة:
هل ما نقوله لروبوت الدردشة يُعدّ “حديثًا خاصًا”؟ أم مجرد “بيانات عامة قابلة للاستخدام”؟
في عالمٍ بات فيه الذكاء الاصطناعي طرفًا ثالثًا دائمًا في حياتنا الرقمية، لم تعد المسألة تتعلق فقط بما نقول، بل بمن يُنصت، وماذا يفعل بما يسمع.
✦ هل دخلنا عصر “المراقبة الذكية” المقنّعة؟
إذا كانت المحادثات مع الأنظمة الذكية لا تحظى بأي حصانة قانونية، فهذا يعني أن كل فكرة نُفصح عنها، وكل اعتراف نشاركه، بل حتى كل شبهة نطرحها… قد تُستخرج ذات يوم من ذاكرة الخوارزمية وتُرفع كدليل ضدنا في قاعة محكمة.
فما الفرق حينها بين الحديث مع روبوت ذكي، وبين الحديث مع مخبر سري؟
✦ بين الشفافية والرقابة
صحيح أن هناك حالات استثنائية قد تبرّر استخدام المحادثات الرقمية في السياقات القضائية، كتلك المتعلقة بالجرائم الإلكترونية أو التهديدات الأمنية. لكن هذا الاستخدام يجب أن يخضع لضوابط قانونية صارمة، وبعلم المستخدم الكامل والمسبق.
لا يجب أن يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أداة رقابة ناعمة تتخفّى خلف ستار “المساعدة”.
الثقة هي الأساس في العلاقة بين الإنسان والتقنية، وحين تنهار هذه الثقة… لا يبقى سوى الصمت الرقمي، أو الخضوع للرقابة.
✦ ما السبيل إلى التوازن؟
يجب سنّ قوانين واضحة وصارمة تضمن خصوصية المستخدمين وتكفل حماية بياناتهم.
يجب تنبيه المستخدم بشكل شفاف ومباشر إلى احتمالية استخدام محادثاته لأغراض قانونية.
ويجب الفصل الصريح بين “تفاعل تقني محدود” و”اعتراف قانوني يُستشهد به”.
في نهاية المطاف، لا يمكننا بناء مستقبل آمن بالذكاء الاصطناعي ما لم نضمن للإنسان حقه في الخصوصية، وحقه في أن يتحدث دون أن يتحوّل حديثه إلى قيد أو تهمة.
الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون حليفًا للحرية… لا حارسًا على الأبواب.