
الزيف الرقمي… حين يصبح القرب الافتراضي أبعد من المسافات …. أشرف المذيوب
في زمنٍ امتلأت فيه الحسابات بالآلاف، خُيّل إلينا أننا اقتربنا أكثر، لكننا في الحقيقة ابتعدنا عن بعضنا كما لم نفعل من قبل.
من خلال تجربتي، أدركت أن هذا الواقع الافتراضي الذي نحياه ليس إلا مسرحًا كبيرًا، نتقن فيه أدوارنا خلف الشاشات: نضحك، نُعلّق، نُجامِل، دون أن نمنح لحظة صدقٍ واحدة تلامس القلب.
كنت أرى في قائمتي الرقمية آلاف الوجوه المضيئة على الشاشات، لكن حين أظلمت أيامي، انطفأت معظمها، وبقي فقط نور القلة الصادقة.
حينها أدركت أن الصداقة ليست حضورًا في التعليقات، بل وقفة في العتمة حين يهرب الضوء.
هذا العالم الافتراضي يعطينا وهم الوجود، لكنه يسرق جوهرنا شيئًا فشيئًا.
يجعلنا نلهث وراء عدد المتابعين، ونقيس قيمتنا بعدد الإعجابات، بينما الحقيقة تُقاس بصدق القلب لا بسطوع الشاشة.
كم من إعجابٍ لا يحمل اهتمامًا، وكم من رسالةٍ بلا معنى.
صرنا نعيش في ازدحامٍ إلكتروني يخلو من الروح، في زمنٍ تتكلم فيه الأصابع أكثر من القلوب.
ومع ذلك، ليست المشكلة في التقنية، بل في الفراغ الإنساني الذي ملأناه بها.
لقد صنعت لنا التكنولوجيا جسرًا، لكننا لم نعرف كيف نعبره بصدق.
تجربتي علمتني أن المحن ليست خسارة، بل كشفٌ للوجوه الحقيقية.
فمن يبقى إلى جانبك حين يبتعد الجميع، هو الصديق الحقيقي في عالمٍ مزيّف.
ومن يمدّ إليك يده بلا مصلحة، هو النور الذي لا تنطفئ قيمته، مهما عمّ الظلام.
إن الزيف الرقمي جعلنا نُشبه الصور التي نُعلّقها، نُجمّلها لتبدو جميلة، لكنها بلا حياة.
وحدها القلوب الصادقة تنقذنا من هذا الضجيج الصامت، وتعيد إلينا معنى الوجود الحقيقي.
في النهاية، لا بأس أن نعيش في عالمٍ افتراضي،
لكن لنتذكر دائمًا أن الشاشات لا تُدفئ قلوبنا…
وحده الإنسان الحقيقي يفعل ذلك.