العرب وترامب : بين الجزية السياسية والارتهان للأجنبي….فاطمة مقني القادري
منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، أظهر دونالد ترامب مهارة غير مسبوقة في استغلال الضعف العربي لتحقيق مصالح بلاده الاستراتيجية والاقتصادية. أسلوبه المباشر، المستند إلى عقلية تجارية بحتة، كشف عمق الهشاشة السياسية لدى العديد من الأنظمة العربية، التي باتت تمارس التبعية بشكل علني وغير مسبوق.
- الجزية تحت عباءة “الحماية”
ترامب لم يُخفِ يوماً أسلوبه في التعامل مع الحكام العرب. فقد وصفهم علناً بأنهم لا يمكنهم البقاء في مناصبهم لأسبوع واحد دون الحماية الأمريكية، وهي عبارة تعكس إهانة غير مسبوقة في العلاقات الدولية. لكن المفارقة أن هؤلاء الحكام لم يردوا على إهاناته؛ بل استمروا في الدفع من خزائن شعوبهم، مفضلين الحفاظ على عروشهم على حساب كرامتهم الوطنية.
السعودية، على سبيل المثال، كانت في طليعة الدول التي استجاب حكامها لابتزاز ترامب المالي. فصفقة الأسلحة التاريخية التي تجاوزت قيمتها 450 مليار دولار لم تكن سوى قمة جبل الجليد في علاقة قائمة على “الجزية الحديثة”. وصف ترامب هذه الأموال بأنها “أموال مجانية”، معلناً أمام الإعلام الأمريكي أن “الأغنياء في الخليج لا يملكون سوى المال، وسنأخذ كل ما لديهم”.
- التطبيع مع إسرائيل: مسار التبعية المزدوجة
لم يكتفِ ترامب بابتزاز الأموال، بل دفع الأنظمة العربية إلى تقديم تنازلات سياسية خطيرة. فجاءت موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني كجزء من صفقة “سلام” مزعومة، لم تحقق للعرب أي مكسب سوى المزيد من التبعية والخضوع.
الإمارات، البحرين، والسودان، وحتى المغرب، سارعت إلى توقيع اتفاقيات تطبيع بدوافع أمريكية. اللافت أن هذه الخطوة لم تكن تلبية لرغبة الشعوب، بل جاءت استجابة لضغوط أمريكية وضماناً لدعم ترامب لسلطاتهم. فقد وعدت واشنطن، مقابل التطبيع، بدعم هذه الأنظمة سياسياً وأمنياً، في وقت كانت فيه التهديدات الداخلية تحاصرها.
- التاريخ يعيد نفسه
هذا الابتزاز ليس بجديد على الحكام العرب. فمنذ مطلع القرن العشرين، والعلاقة بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة والقوى الغربية قائمة على تقديم الولاء مقابل الحماية. فبريطانيا في الماضي، وأمريكا اليوم، استثمرت في ضعف القيادات العربية وغياب استقلالية القرار السياسي.
على مدار العقود، قدمت الأنظمة العربية ثرواتها، أراضيها، وحتى سيادتها، لضمان دعم خارجي يعزز بقاءها. منحت قواعد عسكرية، وسكتت على احتلال فلسطين، وغضت الطرف عن جرائم أمريكا في العراق وأفغانستان. واليوم، تتكرر الصورة نفسها، ولكن بجرأة وعلنية أكبر.
- هل من أفق للتغيير؟
رغم كل ما يحدث، يبقى السؤال الأساسي: إلى متى يستمر هذا الخضوع؟ الشعوب العربية تدرك جيداً أن هذه التنازلات لا تمثلها، وأن الأموال المهدورة على صفقات التسلح ودعم الاقتصاد الأمريكي كانت أولى أن تُستثمر في تحسين أوضاعها المعيشية.
لكن الحل ليس سهلاً. الأنظمة الحالية مستفيدة من التبعية، وهي تدرك أن أي استقلالية في القرار السياسي قد تعني نهايتها. لذلك، يبقى التغيير مرهوناً بوعي الشعوب وضغطها المستمر لاستعادة القرار العربي الحر، الذي لا يُباع ولا يُشترى.
- ختاماً، ترامب لم يكن سوى انعكاس لضعف النظام العربي وهوانه. مشكلتنا ليست مع ترامب، بل مع الحكام الذين وجدوا في التبعية سبيلاً لضمان بقائهم.