الفساد الفكري اخطر من الفساد المالي !……الأستاذ أحمد ذياب
حين يذكر بعضهم أن المال الفاسد والذي يتدفق من حيث ندري ومن حيث لا ندري خاصة هو الذي خرّب الجمعيات والأحزاب ووجهتها ودفع بنهم وجشع حتى تكون البلاد التونسية لقمة سائغة في حلق المستعمر، حين يذكره بعضهم، فإننا نبارك ما تقوم به الدولة لاسترجاع مبدأ المراقبة لكل فلس يأتيها من الخارج…
لكن ليت الأمر يتوقف عند أبواب تلك المصائب المالية الذي تشرى به الذمم وتباع في سوق النخاسة؛ فهناك فساد آخر أخطر بكثير يا سيادة الدولةّ!
وأقصد به التآمر الفكري والانسياب إلى الفكر المتصهين بل والصهيوني والمستعمر لكثير من الأفراد الذين يسوسون ويقودون هذه الجمعيات وهذه الأحزاب. حتى وإن لا يصلهم مال فاسد مبدئيا فهناك طرق أخرى كي يحوّلوا وجهة هذه الجمعيات التي تأسست أساسا لمناعة تونس والدفاع عنها وحمايتها والنظر إلى مستقبلها متناغمة مع محيطها الفكري العربي الإسلامي خاصة والإنساني بصورة عامة. أسست للحوار مع الأخر ندا بند وليس لتمثيله وتمثيل فكره والدفاع عن رأيه الخفي والمعلن… الحوار معناه أني أتبنى موقفي الوطني واضحا جليا وتتبنى موقفك يا سيدي من الضفة الأخرى وقد نصل إلى نقاط تفاهم وقد لا نصل.. نرجؤ الأمر إلى جلسة أخرى، ووقت أخر وزمن آخر..
مثال أعرفه جيدا:
تصوروا على سبيل المثال الجمعية التونسية لتاريخ الطب والصيدلة والتي ساهمتُ شخصيا في تأسيسها رفقة أساتذة وطنيين ومناضلين بحق من أمثال الراضي الجازي وسليم عمار و الدكتور الطرابلسي وغيرهم.. هذه الجمعية كانت عند التأسيس تناقش أمر الاهتمام باللغة العربية وكنا ننوي إحداث جمعية للغة العربية ونظرنا إلى موضوع أوسع وهو تاريخ الطب والصيدلة.. من وجهة نظر وطنية. لإعلاء تاريخ الطب والصيدلة في البلاد التونسية فالمغاربية فالعربية…. والحوار مع الضفة الشمالية وليس لتمثيلها بأية صورة من الصور أو تبني موقفها…
هذا كان في التسعينات من القرن الماضي..
والتأسيس تم بمحاضر محررة باللغة العربية وقانون أساسي محرر باللغة العربية … وكل المحاضر كانت تحرر بهذه اللغة العربية. وُجهتنا الضفة الجنوبية من البحر المتوسط لاستعادة مكان لنا بالجمعية الدولية لتاريخ الطب والمطالبة ذات يوم بإيلاء اللغة العربية مكانها حتى في المحاضرات والمقررات.. كان هذا وسوف يبقى مطلبنا الرئيس.
توفي سليم عمار بقيت الجمعية في سبات حتى سنة 2006 بفعل فاعل رحمه الله رفض تسليم المقررات وباقي الميزانية لتستعيد أنفاسها على نفس الوتيرة العربية الإسلامية ابتداء من سنة 2006 ولسنوات استرجعت نسقها وروحها ووجهتها… ثم ما راعنا إلاّ أن تغيّر الشيء تدريجيا بعمل مخطّط له من لدن بعضهم، مندسين، حاملين لفكر غريب عن كل المأسسة وعن كل الأهداف التي من أـجلها تأسست الجمعية.. وآخر لجنسية ثانية يحمل، أو هو فرنكوفوني يدافع عن الأم العكري أكثر مما تدافع العكري عن نفسها..
وأصبحنا نطالب بإيلاء اللغة اللاتينية التونسية؟؟؟ مكانها نعم اللاتينية!!! وقرطاج الأم قبل القيروان وعبد أشمون قبل ابن الجزار.
وتسلل البعض منا إلى نيل شرف؟ تمثيل اللغة الفرنسية عند مغادرة فرنسا نفسها الجمعية الدولية لتاريخ الطب..
وهنا إذا كان امتلاك اللغة الفرنسية أمرا جيدا فإنّ امتلاك اللغات الأخرى لا يقلّ أهمية مثل اللغة الإيطالية أو الإسبانية أو الصينية… لكن الأساس في القضية حين ينالنا شرف تسيير هذه الجمعيات هو امتلاك اللغة العربية وعدم فرنسة محاضر الجلسات وحتى عند تأبين أولئك الذين يحضر أجلهم ذات ليل مظلم حالك يتهدد البلاد والعباد. عيب كل العيب أن نقرأ نص التأبين بغير لغة القرآن… مهما كانت الأسباب.. ولا أدري هل كان قرأ الفاتحة باللغة الفرنسية، طالما الشفاه لا تُسمع ما هي تتمتم… اللهم قنا شرّ هذه الترجمات للفاتحة… فأنت الحافظ للغة المليار وسبعمائة مليون مواطن عبر الكرة الأرضية.
وأن نكتشف لنا نحن الأغبياء، أن لك جنسية فرنسية أيها المسير لا يسمح لك أبدا بالحديث عن نشاطك داخل الجمعيات الفرنسية أو تمثيلها في اجتماع رسمي للجمعية التونسية… هذا يتناقض تماما مع أخلاقيات كل المؤسسات… وقس على الأمر السياسي الذي مُنعت فيه من تقمص أي منصب بالدولة بعد الخامس والعشرين من جويلية 2022… لكن كذلك هو الشأن حتى بالنسبة لفريق كرة قدم مثلا أو كرة مضرب … عليك الاختيار بين تونس أولا أو فرنسا أولا: ليس لك أن تراقصي أو ترقصي على قدم بالضفة الشمالية وأخرى بالجنوبية… ولا تتصور أن التفتح الملغوم يخدمنا… هو يخدم مآربك فقط والتي تتناقض مع أهداف الجمعية. نحن نعمل على إيلاء الجمعية مكانها الطبيعي في إطار تونس العربية الإسلامية بعد أن صوتت الأغلبية الساحقة لصالح من ينطق بعربية سلسة سليمة تنهال لأول مرة على لسان رئيس تونسي لحما ودما.
لأنّ الأمر لا يتعلق بحياتك الخاصة والتي لا دخل لأحد فيها وإنما أنت أصبحت ملكا للعموم.. إذا دخلت الجمعية التونسية فأنت في تونس تحت راية تونسية ليس فيها أي لطخة زرقاء.. ومن هنا نناقشك ونناقش أفكارك ويمكن لنا حتى أن نشك في مآربك خاصة وأنك نطقت بما لم ينطق به فرنسي اليوم مخاطبا جمعا من العلماء: العرب الهمّج (LA HORDE D’ARABES )
لم أسافر إلى سالرنو والقنابل الإيطالية الألمانية والفرنسية تقطع رؤوس الفلسطنيين واللبنانييين عند مهد أشمون الحقيقي.. لم أسافر رغم أن لي بسالرنو أحبة أقدر رأيهم ولي ربما مصالح تنازلت عنها حتى يتبين لي أمر هذه الحملة الغربية على أهلي في فلسطين والشام… لكني لم أتصور البتة أن من حضر (وربما حسنا فعل) سوف يتبوأ كرسي فرنسا اللغوي!!! تونسي يمثل فرنسا!!! أن تكتب بالفرنسية وتترجم وتكون نابغة تصلح من أمر كل محضر يوجّه إليك باللغة الفرنسية فذاك أمر تقني لا غير… لكنّه لا يغيّر أبدا من مبدإ البقاء على قيد تونس وعلمها ولغتها..
لم أتصوّر هذه المهزلة والكتابة العامة لهذه الجمعية الدولية لتاريخ الطب يمسكها إسرائيلي… وإسرائيل تسحق إخوتنا.. ونحن لا نجرأ حتى على مهاجمة هذه المخابرات التي ترتع في بعض البلاد العربية واليوم ها هي لعلها تدخل الجمعيات التي تأسست لتدافع عن تونس العربية الإسلامية وتاريخها.
لا أريد من مؤتمر نعقده سنة 2026 إلاّ وفلسطين حاضرة يرفرف علمها إلى جانب علم تونس..
لا أريد لمؤتمر دولي إلاّ واللغة العربية تكون لغة رسمية في المؤتمر.. هذه كانت روح مطلبي حين ذكرته بمكسيكو رافضا ما يحصل بفلسطين وهذا ما أيدته الأغلبية… وهذا ما رفضته بعض الأصوات الناعقة حقدا على ما كنت ذكرت وهي متصهينة أكثر من أي صهيوني سمعته..
تأكدوا أننا لن نترك الدود ينخر التفاحة من الداخل.
تأكدوا أن تونس بعد 25 جويلية لن يكون من السهل الحلم بنخر جسدها وإيلاج العفن فيها حتى من بوابة ازدواجية الجنسية أو الفرنكوفونية…
وحتى وإن رفضتم مدنا بتأشيرة إلى الضفة الشمالية.
سوف نراقب كل تحرك متوسطي لا يحمي الضفة الجنوبية بكاملها وبها كل هذه الدول التي تنطق عربية واضحة جلية… وهي اليوم وغدا أكثر عددا وعتادا من ذي قبل.
https://fr.wikipedia.org/wiki/Ahmed_Dhieb
الأستاذ أحمد ذياب
عضو مؤسس للجمعية التونسية لتاريخ الطب والصيدلة
أستاذ في الطب والجراحة