القاضي نزار الشُوك يكتب في فقة القوارص
في أول ايامي في القضاء كنت اعوض قاضي الناحية في احدى مدن الداخل…كنت اذهب الى المحكمة لأحاكم السكارى ..مرت الجلسة الاولى و الثانية حتى جاءني قاض شاب و لكنه اقدم مني في المهنة و سألني عن احوالي في العمل فأجبته بكل فخر …” لا تخشى شيئا فأنا من سأنشر الامن في هذه الربوع لاني سأقطع دابر الخمر فهو مفتاح الشر لكل ابواب الكوارث ” سألني عن كفية ذلك فاعلمته باني اصدر احكاما بالسجن اوزعها يمينة و يسرة …شهر لهذا و شهر لذلك مع التنبيه بعدم العود
صمت صديقي و دعاني الى العشاء في بيته ….
تحولت اليه و أكلنا بعضا من الطعام ثم استفسرني عن رأيي في جولة بالسيارة …جاب بي كل ارجاء المدينة و كان في الاثناء يحدثني عن المجتمع و البيئة و الاختلافات في العادات و عن الغرق بين جهة الساحل حيث نقطن انا و اياه و الجهة التي نعمل فيها …كان الحديث عبارة عن رسائل لم اتفطن اليها …الا حينما سألني قائلا ” ألم تلاحظ شيئا غير عادي في المدينة ؟ ” اجبته ” بلا لقد لاحظت ان اهل المدينة منتشرون في الشوارع و الساحات ليلا …يجلسون في كل الارجاء ” فسألني مجددا ” لما يفعلون ذلك ؟ ” فقلت له انهم يعملون نهارا و في الليل يتسامرون …فاعاد السؤال و لما يتسامرون ؟ هل رأيتهم في المقاهي ام في النزل ام المسابح ؟ و هل رأيتهم على رمال الشواطئ و هل شاهدت دور سبنما او ثقافة او نوادي ؟
بطبيعة الحال لم يكن يوجد في المدينة شيء مما ذكر و كانت نسبة البطالة مرتفعة على الرغم من ثراء تلك الجهة و مساهمتها في تنمية كامل الدولة
ثم قال لي كلمات لم و لن انساها
” شفت يا نزار ؟ طالب مسكين يمشي يقرا في تونس و الا في صفاقس و الا سوسة ..بوه يصرف دم قلبوا باش ولدو يخلط و من بعد تضربوا البطالة و الفقر و التهميش و ما يلقى حتى بلاصة يمشيلها …ينقم و يدوروا بيه اصحاب السوء …يطيح للشراب من اليأس خاطر قالولوا الشراب ينسي ..الدولة تخلات عليه و هو كلاه اليأس و تجي سيادتك و تكمل تقضيلو على مستقبلوا و تحكم عليه بالحبس ..شنوا الانجاز اللي حققتو ؟ “
لم انبس ببنت شفة …صمت صديقي و قد احست ساعتها انه اكبر مني حجما…كان اشبه بالتمثال …و لم استطع النظر اليه …رغم انه كان المساعد الاول لوكيل الجمهورية و كان هو من يقوم باحالة المتهمين علي …
احمد الله على اني فهمت معنى انسنة العقوبة منذ الايام الاولى لتولي القضاء …و اصبحت اتقن فن العيش في بيئتي و محيطي …و لم اعرف بالقسوة يوما على الرغم من شدتي …
القاضي ابن عصره و بيئته ..انا لا اشرع للخمر طبعا و لكني علمت ان بعضا من شباب ولاية القيروان قد ماتوا جرّاء تناولهم لمادة ” القوارص ” لم يقدرو حتى على ثمن قارورة خمر …و الحال اني اعرف دولة كان رئيسها بائع خمور …
حتى في الآثام و المعاصي بعض ابناء البلد محرومون …
رحم الله تونس