
اللًعنة (قصة قصيرة)…تأليف: سالم المتهني
لماذا تعاظمت سلمى في عينيّ؟ لماذا تحولت إلى مارد؟ ما الذي عقد لساني؟ أفي كل مرة أعشق، أتورط، يعاودني هذا الرهاب ليفسد كل شيء؟ أتجمد، لا أجد الكلمات المناسبة لأدافع عن نفسي، لأقنع برأيي. تحولت سلمى إلى مارد كسابقاتها، لا يمكن اختراقها و لا أملك إلا أن أقف منتظرا أن تنهي هجومها ثم تدير ظهرها لتنصرف كما انصرفت أخريات.
الآن فحسب أدركت سبب هذه اللًعنة التي ظلت تلاحقني، كنت فيما مضى من السنوات أطرد الصورة من ذهني كلما ألمت بي و احتلت دماغي قالبة يومي إلى جحيم إذ تنتابني نوبة من الاكتئاب الحاد.
اليوم أصبحت أنظر إليها بوضوح، لم تعد صورة غائمة أو ذكرى مشوشة تنغص عليً يومي من حين لآخر. صرت أعرف سبب معضلتي، إنه كامن هناك، في طفولتي البعيدة عندما تجمدت أول مرة. لكني لم أفعل شيئا يجعلني أدفع الثمن، ربما لأني لم أفعل شيئا عاقبني الكون، و ماذا كان يمكن لطفل صغير أن يفعل أمام إرادة والدته العنيدة الكارهة للحيوانات؟
الجرو كان لطيفا، يتبعني، ألاعبه فيلاعبني، أطعمه فينظر إليً ممتنا بعينين براقتين، يتصنع النضج فينبح على المارة إذا اقتربوا من البيت، يتظاهر بالحراسة ككلب مدرَب.
عند عودتي من المدرسة أجده ينتظرني، يركض نحوي، نتعانق كصديقين، ألقي المحفظة في أقرب مكان في البيت ثم أتفرغ للعب معه، نركض و نمرح و هو فاتح فاه كأنه يضحك، أضع يدي بين فكيه فيضغط عليها و لا يعضها، أرمي كرة التنس بعيدا فيركض و يحضرها، أمسح على رأسه و أعيد الكرًة و هو لا يتعب من إحضارها كل مرة. و عندما أكتفي من اللعب أدخل صديقي إلى البيت، أضعه في مكان قصيً من وسط الدار المكشوف، اختارت أمي المكان و ألحت ألاً يدخل إلى الغرف و إلاً طردته من البيت. تعوًد الجرو ركنه، و بعد صده عن دخول الغرف ألغى وجودها من حسابه.
في الليل تحرص أمي على ربطه بحبل، تحكم وثاق طرفه في حديد كوة صغيرة في أعلى جدار ركنه المعهود، و في الصباح أفك وثاقه ليتحرك بحرية محاذرا الاقتراب من الغرف.
ليلة الأحد نزل المطر…بدأ خفيفا، قوي هطوله، و الجرو موثوق في ركنه، طلبت من أمي أن نحمي صديقي من المطر النازل بقوة، سخرت من طلبي قائلة: ” لم يبق إلا أن يصبح الجرو واحدا منا، يشاركنا غرفة نومنا “.
ظل الجرو يعوي و ظللت ألح في طلبي لحمايته و أمي تتصامم، بكيت، نهرتني، نعتتني بالجبان و ضعيف القلب و ادعت أن الكلاب تتحمل الأمطار.
كان عواء الجرو يحاكي استغاثة آدمي، فيه توسل يقطع القلب، انتفضت من مكاني متجها إلى باب الغرفة، فسبقتني أمي و سدًت عليً الطريق و طلبت مني الرجوع إلى فراشي، تعاظمت أمي في عينيً، صرت أراها عملاقا ضخما بل ماردا، كنت أرتعد من الغضب و الخوف من رد فعلها، تجمدت في مكاني، سحبتني بعنف و دفعتني إلى فراشي ” اتخمد، ارقد
و إلا أشبعتك ضربا”. سحبت الغطاء و دفنت رأسي و أنا أرتجف و أنشج، ثقلت جفوني من كثرة البكاء و عواء الجرو أصبح متقطعا ثم توقف فجأة، أمًلت النفس أن يكون سكاته رضا بالقدر و تسلحا بالصبر.
في الصباح نهضت مسرعا، فتحت الباب و ذهبت إلى صديقي، في البدء ظننت أنه نائم، حركته فلم يتحرك، فاحتضنته و أنا أبكي، التفت، فوجئت بأمي ورائي تنظر إليً جامدة ثم قالت: ” ارتحنا من صوته المنكر “.أخذته من يديً
و وضعته في كيس بلاستيكي أسود و أعطته لأبي عند خروجه من البيت ليلقيه في مصب القمامة.
بعد هذه الحادثة توالت مصائب على البيت أضيق بذكرها،
وأصبحت أسمع عواء الجرو مع كل هطول مطر.
تأليف: سالم المتهني( تونس )