
النفقة في تونس: حين تُعاقب الأبوة ويُهمَّش الطفل…اشرف المذيوب
في وطنٍ يُقال إنه يضع الأسرة نواة المجتمع، يجد الآلاف من الآباء أنفسهم خلف القضبان، لا لأنهم مجرمون خطرون، بل لأنهم عاجزون عن دفع مبالغ زهيدة لا تتجاوز في الغالب ثمن بضعة وجبات سريعة في الشهر: النفقة.
رقم صادم يتصدر المشهد: أكثر من 7000 تونسي في السجون فقط لأنهم لم يدفعوا النفقة.
خلف هذا الرقم وجوه متعبة، وعيون مغبرة، وأطفالٌ ينتظرون فتات العدالة، بينما الدولة تُنفق بسخاء على الحبس ما يفوق بكثير ما كان يمكن أن يصل إلى يد طفل جائع أو أم منهكة.
📊 منطق مقلوب: الدولة تدفع عشرة أضعاف النفقة… للحبس!
السجين الواحد يُكلّف الدولة حوالي 80 دينارًا في اليوم، أي 2400 دينار في الشهر.
في المقابل، النفقة المفروضة غالبًا لا تتجاوز 300 دينار شهريًا.
🔸 560 ألف دينار تُصرف يوميًا على سجناء النفقة.
🔸 أي حوالي 17 مليار شهريًا.
🔸 أي أكثر من 200 مليار سنويًا!
هل هذا عقل؟
يا سادة، هذا ليس نظام عدالة… بل نظام إفقار مزدوج:
يُفقّر الأب بالسجن،
ويُحرم الطفل من النفقة،
وتخسر الدولة ميزانها المالي والمعنوي.
⚖️ هل العقوبة غاية؟ أم أن مصلحة الطفل هي الأساس؟
لنكن صادقين مع أنفسنا:
إذا كان الهدف من حبس الأب هو الانتقام الاجتماعي، فهنيئًا للمنظومة، لقد نجحت.
أما إذا كان الهدف هو حماية الطفل وضمان حقه في المعيشة الكريمة، فالنظام القائم لا يحقق شيئًا من ذلك.
بل يزيد الوضع هشاشة، ويحوّل “الأبوة” من مسؤولية نبيلة إلى لعنة مجتمعية.
💡 الحل موجود… وعقلاني!
الحل لا يحتاج إلى عبقرية اقتصادية ولا إلى عباءة أيديولوجية.
فقط يحتاج إلى إرادة سياسية وإنسانية:
✅ صندوق وطني للنفقة، تساهم فيه الدولة بـ 200 مليون دينار سنويًا.
✅ تُصرف النفقة مباشرة للطفل، في الوقت المناسب.
✅ ثم يتم استرجاع الأموال من الأب بوسائل حضارية:
اقتطاع من الراتب.
حجز على الحسابات البنكية.
منع من السفر.
تتبع إداري وقانوني… دون الحاجة للسجن.
هكذا تفعل كندا والسويد وألمانيا، بل حتى بعض الدول العربية بدأت تُراجع منطق الحبس المدني وتبحث عن بدائل أكثر نجاعة وإنصافًا.
🧒 كل دينار يُصرف على سجين نفقة… هو دينار سُرق من طفل
نعم، بهذا الوضوح وبهذا الألم:
كل دينار يُهدر في سجن أبٍ عاجز،
كان يمكن أن يكون حليبًا لطفل، أو دواءً، أو كتابًا مدرسيًا.
نحتاج إلى عدالة اجتماعية لا انتقامية،
وإلى قانون يراعي الواقع الاقتصادي والاجتماعي للأسر التونسية،
لا إلى آلة تُنتج المآسي وتُغذّي السجون.
🟢 رسالة إلى الدولة:
يا دولة القانون والمؤسسات،
إن كنتِ حقًا تُقدّسين “حقوق الطفل”،
فابدئي بـ مراجعة قانون النفقة،
لأن الطفل في تونس لا يحتاج إلى أب مسجون،
بل إلى أب مسؤول ومدعوم،
وإلى دولة راعية لا سجانة.
العدالة ليست في القضبان،
بل في الضمير.
والرحمة لا تُسنّ بقوانين العقوبة،
بل تُبنى بسياسات ترميم الكرامة.
✍️ أشرف المذيوب – الطريق إلى الخلاص