بأسقام وجروح وأجساد هزيلة يستقبل سكان غزة فصل الشتاء…لبنى  حمّودة

بأسقام وجروح وأجساد هزيلة يستقبل سكان غزة فصل الشتاء…لبنى حمّودة

24 نوفمبر، 14:30

أمطار غزيرة ورياح شديدة وبرد قارس وكأنها أجراس تدق وطبول تقرع معلنة عن قدوم ملحمة جديدة ومعاناة إضافية لسكان القطاع بدخول فصل الشتاء,إذ تتعرض أجواء غزة هذه الأيام لمنخفض جوي يواجهه النازحون في الخيام حفاة عراة يفتك بأمعائهم الجوع, ويستبد بهم المرض, كيف لتلك الأجساد التي تطل علينا عبر الشاشات, وقد أنهكها الحصار, فتحولت لهياكل عظمية من شدة الجوع كيف لها أن تواجه برد الشتاء بعد أكثر من عام من الحرب والحصار؟, ثم ماذا لو استمرت إسرائيل في غلق المعابر ومنع دخول المساعدات؟, إن هذا السؤال هو الهاجس الأكبر حاليا, إن هذه المرحلة هي مرحلة المنظمات الدولية الإغاثية والشعوب العربية بامتياز, إنه اختبار جديد للإنسانية, إما أن تبادر تلك المنظمات والشعوب وتجبر إسرائيل على فتح المعابر وإدخال المساعدات أو أن تعلن غزة مقبرة جماعية.

مجددا الشتاء على أعتاب غزة المحاصرة

من نصائح خبراء الأرصاد الجوية :”إخواننا النازحون في قطاع غزة جهزوا خيامكم قبل أن يحصل جرف للخيام, ضعوا حجارة على نحو متساو واحفروا مسارات المياه حول الخيام ابعدوا الخيام عن شاطئ البحر بسبب ارتفاع الموج المتوقع”, هكذا أصبحت الحياة في غزة(ليس لها من دون الله كاشفة) عذاب مستمر منذ أكثر من 400 يوم, وعربدة إسرائيلية لا تنتهي, إن ما يأتيه الجنود في غزة وفي جنوب لبنان ضرب من الجنون, وهم يقرون بذلك ففي أحد المشاهد التي تصلنا تباعا كان جنود الكتيبة 51 من لواء الغولاني يرقصون ويتغنون بمثل هذه الكلمات “من المجنون؟ أنا المجنون”, هم يقرون بأن ما يفعلونه يخرج عن نطاق العقل, لقد سمعنا عن جنون العظمة كثيرا, لكننا في حرب غزة خبرنا نوع مستحدث من الجنون, جنون الوحوش المسلحة, هكذا هو الإنسان حينما لا يردعه دين ولا قانون, حرب ذهب ضحيتها أكثر من 144 ألفا بين شهيد وجريح وأكثر من 10 آلاف في عداد المفقودين, ومن كتبت له الحياة تمنى الشهادة من شدة المعاناة بين صفوف الغذاء والماء وقسوة الأوضاع المعيشية وتفشي الأمراض, ويأتي فصل الشتاء ليزيد من معاناتهم.
في فصل الصيف كان هناك نقص في الأحذية بين الأطفال, ومن مبدأ الحاجة أم الاختراع تطوع بعض الحرفيين, وصنعوا أحذية من خشب للأطفال عل شكل قباقيب, وكانت أقدامهم الصغيرة بالكاد تستطيع المشي بضع خطوات بتلك القباقيب من خشب غير مصقول وقماش, واليوم والشتاء على أعتاب خيامهم كيف لهم أن يحتموا من صقيعه؟, يقول أحد النازحين: “أما والله مع دخول المنخفض الجوي أجواء غزة ومع قلة الغطاء وانعدام ملابس الشتاء تشعر كأنك بلا أطراف من شدة البرد, وربما لوهلة تشعر أن قلبك سيتوقف عن النبض”, كيف الحال إذا مع الأطفال والمسنين, إننا أمام كارثة حقيقية في غزة, إنهم مهددون بالموت الجماعي نتيجة برد الشتاء, وهذا ما تسعى له إسرائيل, وإلا لماذا أحكمت غلق المعابر, ومنعت دخول المساعدات, إنه وجه آخر من أوجه التطهير العرقي, فبعد الموت قصفا وإعداما ودفنا تحت التراب وحرقا ومرضا وجوعا, ها هي اليوم تمارس طقسا جديدا من طقوس التطهير العرقي وهو الموت بردا, وإذا كان هذا حال وسط القطاع وجنوبه ماذا عن شماله؟.
شمال قطاع غزة يحتضر
أكثر من شهر مضى وشمال قطاع غزة يتعرض لتطهير عرقي وإبادة جماعية, في ظل تعتيم إعلامي متعمد من الجيش الإسرائيلي, بعد استهدافه للصحفيين والتضيق عليهم وتهديدهم, لذلك تراجعت الصورة والصوت وازدادت وحشية القتل في شمال غزة دون رقيب, ولعل ما تصلنا من أخبارهي جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كاملة, وحتى تلك المشاهد التي تصلنا تصيبنا بالدهشة من هول ما يعيشه سكان جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا, إن سكان الشمال يدفعون الثمن مضاعفا ثمن صمودهم, فالجيش الإسرائيلي يحكم قبضته عليهم, ويلاحقهم في بيوتهم, وفي مراكز الإيواء وفي المستشفيات التي أخرجها عن الخدمة, وفي خيامهم وحتى خلال نزوحهم, وكم من عالقين تحت الأنقاض قضوا أحياء بسبب استحالة وصول سيارات الإسعاف إليهم, أما الأحياء منهم فمحاصرين لا يستطيعون الخروج من منازلهم لتدبر احتياجاتهم وهم بين أمرّين إما المجازفة والخروج والتعرض لرصاص المسيرات “كواد كابتر” أو الموت جوعا.
إن شمال القطاع تحول إلى جحيم حقيقي, فالترسانة العسكرية الإسرائيلية الوحشية تقصف المنازل, وتمنع إسعاف الجرحى, وكم من جريح لفظ أنفاسه أمام الكاميرا عبر البث المباشر, وتشدد الحصار و تحكم عن الباقين بالموت جوعا وعطشا في منازلهم, وتتبع أثر المساعدات الغذائية التي بالكاد تسمح بإدخال القليل منها فتقصفها, وهذا ما حدث في مدرسة الشوا بعد وصول المساعدات للمدرسة بساعات أمرهم الجيش بالنزوح, وأحرق المدرسة والمساعدات.
في بيان له أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الأوان قد آن للإعلان رسميا عن المجاعة في عموم قطاع غزة وخاصة في شماله, وفي ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشمال, يتهيأ فصل الشتاء ليلقي بظلاله وتقلباته على أجساد سكان الشمال وخيامهم, كيف سيواجهونه وهم الجرحى بدون مستشفيات والمرضى بدون أدوية, كيف سيواجهونه بأرجل حافية وقرقرة البطون؟ ينتظرهم شتاء قارس البرودة بلا تدفئة, بلا ملابس شتوية, كيف سيواجهون الطبيعة التي بعد التغير المناخي أصبحت لا تقل شراسة عن الجيش الإسرائيلي؟, إننا أمام كارثة إنسانية في شمال غزة المحاصر والصامد صمودا أسطوري والمقاوم بجوعه وعطشه وتعبه للجيش الإسرائيلي المحتل الماضي قدما بمباركة أوروبية وأمريكية في تهجير من تبقى من سكانه لتحقيق مخطط الجنرالات والشروع في بناء المستوطنات.
” بعد مقتل 42 ألف شخص ألا تستطيعون التعاطف مع الفلسطينيين..التعاطف هو الرابط الذي يجعلنا نقف متحدين كإنسانية واحدة”, هكذا صرحت المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز في إحدى الجلسات السابقة للأمم المتحدة, ألا ليت الأمم المتحدة كلها ” فرنشيسكا ألبانيز” لعم السلام الكورة الأرضية, لكن هيهات لقد مات ضمير العالم, إن الأنظار اليوم تتجه نحو المنظمات الإغاثية عليها الضغط أكثر لفتح المعابر وإدخال المساعدات, وعلى الضمير العربي الإسلامي أن يستفيق فسكان القطاع يموتون وبيت المقدس يدنس والقضية الفلسطينية تنازع, لن يوقف تسونامي الإبادة الجماعية في غزة سوى صوت الشعوب العربية, فإن لم تتحرك فالشتاء قد يكون الفصل الأخير في جريمة الإبادة الجماعية, وغير بعيد فقد نستفيق يوما على موت جماعي للأطفال وكبار السن في غزة, سيسجل التاريخ أن العرب أبادوا العرب وستتحمل الشعوب العربية وزر الموت الجماعي الذي يهدد قطاع غزة (وقفوهم إنهم مسئولون).
لبنى حمودة

مواضيع ذات صلة