بركان العنف والمجاعة يفجر حممه على كل شبر من أرض غزة…لبنى حمودة
أعلن مساء الجمعة 12 جويلية الرئيس الأمريكي جو بايدن عن موافقة حماس وإسرائيل على المقترح الذي طرحه, وأن إعلان وقف إطلاق النار في غزة بات وشيكا, والمفاوضات مستمرة بشأن التفاصيل, وإننا لنتساءل كيف تعقد المفاوضات على ضفاف نهر من الدماء؟ ففي صبيحة اليوم السبت 13جويلية ارتكبت إسرائيل مجزرة مروعة بحق النازحين في خان يونس ذهب ضحيتها حسب آخر إحصاء 73 شهيدا ومئات من الجرحى, ومنذ حوالي 10 أشهر والصواريخ تدك القطاع يوميا عدى أيام هدنة سابقة,عشرة أشهروأبناء غزة يتعرضون لألوان من العذاب والقتل والتنكيل والنزوح حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت, حتى بات بعض دعائهم:” يا رب هدنة أو موتا سريعا”, 10 أشهر والموت يحاصرهم من كل جانب فمن نجا من تفجير تلقفه الموت البطيء, ووقع فريسة تحت أنياب المجاعة تنهش ما تبقى من جسده النحيل, تشير الإحصائيات إلى أن أكثر ضحايا المجاعة هم من الأطفال يحصل كل ذلك تحت سمع العالم وبصره لتتحول غزة إلى جرح نازف في خاصرة الإنسانية.
الأطفال “بنك أهداف” في الحرب الإسرائيلية على غزة
أدرجت الأمم المتحدة في شهر جوان إسرائيل على القائمة السوداء للدول والمنظمات التي تلحق الأذى بالأطفال, وقد اعتبر القرار متأخرا لأن إسرائيل تنتهك المواثيق الدولية وتستهدف الطفولة منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية, خلال حربها الأخيرة على غزة قتلت ما يزيد عن 15 ألف طفل وآلاف الجرحى, واعتقلت ما يزيد عن 406 طفل, ولم تكتفي بذلك بل استخدمت في حربها السلاح الأكثر شراسة سلاح التجويع.
كما أعلن يوم 9 جويلية خبراء مستقلين في مجال حقوق الإنسان المفوضين من الأمم المتحدة في بيان أن حملة التجويع المتعمدة والموجهة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هي شكل من أشكال عنف الإبادة, وأدت إلى مجاعة في جميع أنحاء غزة, كما أعلنوا عن وفاة ثلاثة أطفال جراء سوء التغذية وهم ظافر عطايا ( 6 أشهر), عبد القادر المسرحي (13عاما) الذي توفي في مستشفى الأقصى بدير البلح , وتوفي أحمد أبو ريدة (9 أعوام) في منطقة المواصي في خان يونس ليقطع الشك باليقين على استشراء المجاعة في كامل قطاع غزة.
وحسب تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة فإنه من المتوقع أن يصل عدد الأطفال الذين سيحتاجون إلى علاج من سوء التغذية الحاد خلال 2024 إلى 50 ألف طفل هذا وقد ندد مايكل فخري مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء بحملة التجويع المتعمدة والموجهة التي تشنها إسرائيل على شعب فلسطين وطالب بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
كما ذكرت حكومة غزة في بيان لها أن إسرائيل تتبع سياسة التجويع للمدنيين وتستهدف الفئة الأضعف الأطفال بمنع دخول المساعدات الإنسانية مما تسبب في نقص الحليب والغذاء وانعدام المكملات الغذائية وحرمانهم من التطعيمات, مما أثر على نموهم وهو ما يعرضهم الى خطر الإصابة بالأمراض المعدية التي تفتك بحياتهم, وقد اعتبرت منظمة اليونسيف أن تداعيات العنف الممارس ضد الأطفال سوف تتحمله الأجيال القادمة, كما شددت على ضرورة حماية الطفولة في غزة.
المنظمات الإنسانية والإغاثية وعدم الحيادية
لم يخطر ببال أحد أن المنظمات الدولية الإنسانية والإغاثية بتاريخها العريق في خدمة الإنسان والإنسانية قد تتخلى عن دورها الإغاثي يوما, وتقف عاجزة ومكتوفة الأيادي في حرب لا يختلف اثنان على أنها إبادة جماعية, لم يخطر ببال أحد أن المنظمات الدولية قد تميز إنسان على إنسان وتتخلى عن الحيادية التي هي أهم ركيزة في العمل الإنساني.
إن غزة باتت مقبرة جماعية الدمار يحيط بهم من في كل مكان ولا غذاء ولا ماء ولا دواء, فإن عجزت الأمم المتحدة في اقتلاع قرار لوقف إطلاق النار في غزة تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة كان عليها أن تنجح في دورها الإنساني الإغاثي, ماذا قدمت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا”؟ في الحرب الأخيرة على غزة أدارت مجموعة من مراكز الإيواء وقدمت مجموعة من المساعدات الإنسانية والصحية, لكن بمجرد أن طلبت إسرائيل منها إخلاء مقراتها بالشمال سرعان ما استجابت للأوامر الإسرائيلية و تركت أهل الشمال يواجهون مصيرهم بلا مساعدات, وتوجهت إلى الجنوب وحتى المساعدات اقتصر توزيعها على النازحين داخل المدارس التابعة لها دون باقي المدنيين خارج مقراتها, كما وجهت لها اتهامات بالتخاذل في توفير الدواء لأصحاب الأمراض المزمنة وترك الأطفال بدون تطعيمات.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهي منظمة مستقلة ومحايدة تقوم بمهام الحماية الإنسانية وتقديم المساعدة لضحايا الحرب والعنف المسلح فقد رفضت دخول المستشفيات التي تم اقتحمت من طرف الجيش الإسرائيلي وتقديم تقرير يكشف الادعاءات الإسرائيلية من كونها مقرات عسكرية للمقاومة, كما رفضت إجلاء الأطفال حديثي الولادة من مستشفى النصر الذين تركوا لقدرهم ليتم العثور عليهم فيما بعد وقد فارقوا الحياة. وقد جاء على لسان مدير مستشفى النصر وفق ما نقله المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أنه تلقى اتصال بضرورة إخلاء مستشفى النصرفقام بتوجيه نداء إلى منظمة الصليب الأحمر لإنقاذ حياة الأطفال لكنه لم يتلق أي رد, وإثر ذلك دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة دولية لمساءلة الصليب الأحمر في شبهات التقصير, كما طالتها اتهامات من كونها لم تقم بحماية المدنيين والجرحى أثناء النزوح من الإعدامات الميدانية.
والسؤال يطرح نفسه ماذا قدمت منظمة الصحة العالمية للمرضى و الجرحى في غزة؟ لقد اقتصر دورها على بعض الزيارات الميدانية للمستشفيات من طرف الوفود التابعة لها, بينما اقتصرت المساعدات على إمداد المستشفيات بكميات ضئيلة من الوقود, وبعض الإمدادات الطبية التي لا تفي بحاجيات المرضى والجرحى في حرب لم يعرف التاريخ أشرس منها.
الشعوب العربية:” للبيت رب يحميه”
لا يختلف اثنان على أن للشعوب العربية سلطة وصولجان كم من مرة تصدت للظلم والاستبداد, كم من مرة حسمت وقالت كلمتها وكان لها دور في وقف أكثر من عدوان على غزة, اليوم تشيح بأنظارها عن اتجاه غزة وتهتم بالمهرجانات الصيفية وتتابع الأخبار العادية, تداري بذلك عجزها عن نصرة المدنيين الأبرياء في غزة كيف تخلت عن دورها التاريخي؟ كيف تنحت عن دور الفاعل في القضية الفلسطينية؟ كيف قبلت على نفسها دور المتفرج المتألم الذي لا حول له ولا قوة كيف تنازلت عن دعمها للقضية الفلسطينية ولسان حالها يقول “للبيت رب يحميه”.
تعتمد إسرائيل في حربها على غزة على الأسلحة الأكثر فتكا وشراسة, بينما تختار الشعوب العربية في نصرتها لغزة والقضية السلاح الأكثر نعومة شاشات الهواتف والحواسيب, واكتفت بالحضور الافتراضي والنصرة الافتراضية إن التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي لا يجدي نفعا مع إسرائيل ولا يغير المعادلة على أرض غزة ,إن إسرائيل التي تدك حصون غزة وتنكل بشعبها لن يوقفها مشاركة لفيديو أو إعجاب أو حتى ترند, فقط يوقفها الشارع العربي, حين تغضب الشعوب العربية وتزمجر وتموج الشوارع بالمتظاهرين الرافضين للقتل والتدمير المطالبين بالسلام الشامل والعادل.
الشعوب الغربية منذ بدء الحرف فهمت أن لا نصرة إلا بالتحرك الفعلي, فاستغلت منصات التواصل وفضحت كذبة إسرائيل الكبرى, وصححت المفاهيم لمن يجهل وما اكتفت, بل زحفت بالآلاف للشوارع, واعتصمت في الجامعات, ونددت وصرخت في شوارع أمريكا وبريطانيا والمانيا وبلجيكيا وفرنسا وإسبانيا ..و طوعت الفن والرياضة لنصرة غزة,بل ذهبت لأكثر من ذلك كم سمعنا عن استقالات من الجامعات والمنظمات والوزارات.. لكن أين الشعوب العربية الأقرب من الشعوب الغربية لأطفال ونساء وشيوخ غزة, إن سكان غزة الأبرياء يقتلون بأبشع سلاح على وجه الأرض سلاح الجوع والعطش في فصل صيف حارق, إن الشعوب العربية التي ناضلت من أجل الطفولة حتى بات للطفل حق ومجلة قانونية, كيف لم تهزها مشاهد أجساد أطفال غزة وقد تحولت لهياكل عظمية.
“إن الجوع في غزة من صنع الإنسان” هكذا صرح مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” فيليب لازاريني, وأضاف أنه يمكن إغراق غزة بالمساعدات بكل سهولة من خلال المعابر, نعم يمكن إغراق غزة بالمساعدات بكل سهولة في حالة لو اضطلعت المنظمات الدولية بدورها الحقيقي لو تركت جانبا الحسابات السياسية للسياسيين والتزمت بالحيادية التامة وعاملت الإنسان دون اعتبار لعرقه أو جنسه أو دينه فلا فرق بين أكراني وفلسطيني. لقد تعرضت المنظمات الدولية خلال الحرب الأخيرة إلى كثير من الانتقادات, حين عجزت عن تحقيق أهدافها التي أنشأت من أجلها لما اصطدمت بالغطرسة الإسرائيلية, إن المنظمات الدولية بحاجة ملحة لمراجعة آليات عملها, وعلى الأمم المتحدة أن لا تترك العالم أسير لخمس دول في مجلس الأمن ولتعلم أن المساواة في مجلس الأمن بين مختلف الشعوب بات أمرا ملحا, وعليها أن تراجع آلية الفيتو, الفيتو الذي بات شريكا لإسرائيل في حربها على غزة. نعم يمكن إغراق غزة بالمساعدات بكل سهولة لو تحركت الشعوب العربية ولبت نداءات الاستغاثة,على الشعوب العربية ان تلتحق بركب الشعوب الغربية وأن تأخذ عنها المشعل وتتحرك فعليا لا افتراضيا وتغير المعادلة وتنتصر للإنسانية, أن تقول لا بأعلى صوتها, لا لقتل الأبرياء, لا لسلاح التجويع, لا لقتل الأطفال واغتيال الطفولة في غزة.