تحليل الأزمة السياسية: تناقضات القوى الثانوية وخطر العودة
تتكشف التناقضات العميقة في لحظات الاضطراب السياسي، لا من خلال الشعارات المرفوعة، بل عبر سلوك القوى الثانوية التي تحرّكها شبكة المصالح الذاتية. ومع تصاعد الحديث عن إمكانية نجاح “المشروع الإمبريالي العالمي”وعبر وكلاء محليين إعادة تمكين تيار الإسلام السياسي مع بقية مكونات التبعية من الحكم مجددًا، نلاحظ عودة ظهور نفس الوجوه التي تبرز دائمًا عند كل تحوّل في البنية السياسية بحثًا عن إعادة توزيع النفوذ.
“كومبارس” في خدمة الأزمة
هذه القوى، التي يمكن وصفها بـ “الكومبارس السياسي”، لا تعمل كفاعلين تاريخيين أو كأصحاب مشاريع حقيقية، بل ككيانات هامشية تتقن “السياسة الصغرى” وفقًا لتصور غرامشي. إنهم يقتاتون من الفراغات والأزمات، ويفشلون في بناء مشروع وطني أو الانتماء إلى كتلة شعبية تاريخية صلبة.
هم أقرب إلى ما أسماه لينين بـ “الانتهازيين” الذين يميلون حيث يميل ميزان القوى، ويستغلون كل أزمة لإعادة التموضع والتبرير لأيّ عودة طالما تفتح لهم منافذ نحو السلطة والمكاسب. دورهم لا يتجاوز كونه حلقة في سلسلة إعادة إنتاج الفشل.
إنّ الانحياز لقوى أثبتت فشلها الذريع وإفلاسها في إدارة الدولة ليس مجرد خطأ تكتيكي، بل هو اصطفاف داخل التناقض الخاطئ. إنه دعم للقوى التي عملت على إعادة إنتاج الأزمة وتعطيل التطور، بدلاً من الاصطفاف ضمن كتلة تاريخية تسعى بجدية لفكّ الارتباط مع أنماط الحكم القديمة وبناء حل ديمقراطي واجتماعي مستدام.
لذلك، فإن عودة تيار الإسلام السياسي، إذا ما حدثت، لن تكون حدثًا معزولًا، بل ستكون نتيجة تحالف موضوعي بين قوى الأزمة ذاتها وبين هؤلاء “الكومبارس” الذين يخدمونها عن وعي أو دونه.
هنا، يتوحّد الحكم الأخلاقي والسياسي. فمن يفتح الطريق لعودة مشروع أثبت إفلاسه يتحمّل مسؤوليته السياسية كاملة بوصفه جزءًا من التحالف الطبقي السياسي الذي يعيق تطور الصراع نحو حلّ وطني شامل. إن التاريخ ليس صراع أفراد، بل صراع قوى اجتماعية ذات مصالح متضاربة.
الـ “كومبارس” الذين يدعمون هذا المسار اليوم ليسوا مجرد معلّقين أو مشاهدين، بل عناصر فاعلة في البنية التي تساعد على إعادة تدوير الفشل. هؤلاء، كما يؤكد غرامشي، لن ينجوا من حكم الكتلة التاريخية حين تستعيد وعيها واستقلاليتها وتفرز قيادتها الحقيقية.
المعادلة واضحة، إذا عاد الإخوان إلى الحكم، فلن يكون السؤال مقتصرًا على “مَن يحكم؟”، بل سيتعمّق ليشمل السؤال الأهم: “مَن مهّد الطريق لهذه العودة؟”. وهؤلاء الممهدون هم أول من سيواجه تبعات هذا الخيار أمام الشعب والتاريخ.
محمد خلف الله





