«جاب 16 وبكى»… حين يتحوّل النجاح إلى خوف…اشرف المذيوب
يحكي أحد المعلّمين، من داخل فصلٍ دراسيّ تونسي، عن مشهدٍ ما يتنساش:
بعد امتحان رياضيات، تلميذ جاب 16.
عدد يفرّح أي معلّم، وأي وليّ.
لكن الطفل رجع لبلاصتو… يبكي.
قرّبلو المعلّم وسألو بلطف:
«علاش تبكي؟ عددك باهي.»
الجواب كان صادمًا وبريئًا في آنٍ واحد:
«نجم نعاود الامتحان؟… ماما تقتلني.»
هنا، توقّف الدرس.
وتحوّل الفصل إلى مرآة لواقع نعيشوه كلّ يوم، وما نحبّوش نعترفوا به.
طفل خايف…
موش من الفشل، بل من العائلة.
خايف من ردّة فعل، من كلمة، من مقارنة، من ضغط ما يرحمش.
يواصل المعلّم حكايته:
التلامذة خرجوا الكل، والطفل بقى.
شدّ يد معلّمو وقاللو:
«أمان سيدي، كلّمها.»
مشهد بسيط… لكن موجع.
طفل يطلب حماية من شخصٍ آخر، لأنّ الأمان اللي مفروض يلقاه في داره غايب.
كي جات الأم تلوج على ولدها، قالها المعلّم بهدوء:
«شنوّا حسّيتِ كي ما لقيتيش ولدك؟»
قالت:
«دمّي جمد.»
ردّ عليها:
«ولدك، في كل امتحان… دمّو يجمد.»
جملة تختصر برشة.
تختصر ضغط نمارسوه كعائلات، أحيانًا بحسن نيّة، وأحيانًا تحت تأثير المقارنة، المجتمع، وهاجس:
«يلزم ولدي يكون خير من غيرو.»
في تونس، العدد ولى معيار القيمة.
18 عادي.
16 ناقص.
14 “كارثة”.
نسينا اللي القراية مسار، موش معركة.
ونسينا اللي الطفل موش مشروع معدل، بل إنسان صغير يتكوّن.
المعلّم ما كانش يدرّس رياضيات في اللحظة هاذي،
كان يحاول يخلّي الأم تشوف الصورة كاملة:
شنوّا الفايدة يجيب عشرين وهو مريض؟
شنوّا الفايدة يكون متفوّق وهو عايش في خوف؟
الدراسات التربوية اليوم واضحة:
الضغط الزايد يخلّق قلق،
كره للدراسة،
ضعف ثقة في النفس،
وأحيانًا جروح نفسية ما تبرى كان بعد سنين.
والأخطر من هذا الكلّ،
أن الطفل يتعلّم يربط قيمتو بالعدد،
موش بالمحاولة، ولا بالمجهود.
المعلّم هذا قدّم درسًا في الحياة، قبل أي درس آخر.
ذكّرنا اللي دورنا، كأولياء، موش نزيدوا الضغط،
بل نكونوا سند.
نفرحوا بالنجاح،
نحتضنوا التعثّر،
ونفهموا اللي الغلطة جزء من التعلّم.
هاذي موش صرخة ضدّ الأولياء،
هي صرخة مع الأولياء.
باش نفيقوا،
قبل ما نربّوا جيل ناجح في المعدّلات…
ومتعب من الداخل.
أولادنا أمانة.
والقراية، قبل ما تكون عدد،
هي ثقة… وتربية .






