حديثُ العيد : أيام التشريق.. أيام ذكر الله
أيام التشريق من أيام الله المباركة، سميت هذه الايام بأيام التشريق إما لأن لحوم الأضاحِي تُشرَّق، أي تُشرَّر في الشّمس، أي: إن اللحم يقطع لأجزاء صغيرة، ويوضع في الشمس لتجفيفه، وفي هذه الحالة يصبح اسم اللحم القديد، وتقديد اللحم عند العرب يعرف بالتشريق، ولهذا السبب قد يكون سميت هذه الأيام بالتشريق، وإما لأن العرب كانوا قديماً يقولون (أشرق ثبير كيما نغير) وثبير أحد جبال منى، وكيما نغير أي: لكي ندفع للنحر، وإما لأن الهَدْي لا يُذْبح حتى تشرق الشّمس.
وأيام التشريق الثلاثة هي: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة، ولكل يوم اسم خاص.
اليوم الأول: (يوم القَر) وسمّي بذلك لأنّ الحجّاج يقرّون ويبيتون فيه بمنى. قال – صلّى الله عليه وسلّم -: (( أعظم الأيّام عند الله يوم النّحر ثمّ يوم القر)). ويقال له ( يوم الرؤوس) لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي.
اليوم الثاني: (يوم النّفر الأوّل) ويجوز النّفر فيه لمن تعجّل بعد رمي جمرات العقبة الأولى والثّانية.
اليوم الثالث: (يوم النّفر الثاني) وهو يأتي بعد رمي الجمرات في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق.
وقد قال الله – تعالى – في حق هذه الأيام: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، والأيام المعدودات هي: أيام التشريق.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أيام التشريق: ((إنها أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل)) إشارةٌ إلى أنَّ الأكل والشُّرب في أيام التشريق إنما يستعان به على ذكر الله- تعالى- وطاعته، وذلك من تمام شكر النعمة أن يُستعان بها على الطاعات.
والذكر المطلوب في أيام التشريق أنواع:
1- ذكر الله – تعالى- دبر الصلوات الخمس المفروضة وذلك بالتكبير بعدها، وهو مشروعٌ من صبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.
2- ذُكر الله – تعالى – بالتسمية والتكبير عند ذبح الهدي للحاج والاضحية لغير الحاج، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتدُّ من بعد اتمام الحاج الرمي وغير الحاج بعد خطبة العيد إلى عصر آخر أيَّام التشريق. قال – تعالى -: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، وقال -تعالى-: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36].
3- ذكر الله -تعالى – على الأكل والشرب، فإن المسنون في الأكل والشرب أن يُسمى الله في أولهما، ويحمده في آخرهما، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الله عزَّ وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها )).
4- ذِكر الله -تعالى -بالتكبير عند رمي الجمرات أيام التشريق.
5- ذكر الله -تعالى- المطلق، فإنه يُستحب الإكثار من ذكر الله -تعالى- أيام التشريق، وقد كان عُمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يُكبر بمنىً في خيمته، فيسمعه الناس فيُكبرون فترتج منىً تكبيراً، وقد قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 200، 201].
في هذه الأيام، وبخاصة في آخرها، الاستغفارُ والدعاء، وقد استحب الدعاء بـ ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]
والحسنةُ في الدنيا العلمُ والعبادة، وفي الآخرة الجنة او الحسنةُ في الدنيا العلمُ والرزقُ الطيب، وفي الآخرة الجنةُ.
وهذا الدعاءُ من أجمع الأدعية لخيري الدنيا والآخرة، لذا فقد كان عليه الصلاة والسلام يكثر منه، وكـان إذا دعا بدعاء جعله معه.
وكان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يقول في خطبته يوم النحر: ( بعد يوم النحر ثلاثةُ أيام، التي ذكَرَ الله الأيامَ المعدودات لا يُرد فيهن الدعاء، فارفعوا رغبتكـم إلى الله عز وجل ).
والحكمة من ختم الطاعة بالذكر والاستغفار، أن العبدَ لا يستطيع تأدبة ما فُرض عليه من العبادة على وجه التمام، و يبقى عملُه يعتوره النقصُ والخلل، فشرع الله الاستغفارُ مكفراً لما قد حصل منه من تقصير وخلل، لعل الله يتقبله منه ويرضى به عنه.
إضافة إلى أن سائر العبادات تنقضي ويُفْرَغ منها، وذكرُ الله باق لا يُفْرَغ منه، وقد أمر الله بذكره عند انقضاء الصلاة، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103] وقال أيضا: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].
وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8].
قال بعضهم: ( أيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيمُ أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيمُ قلوبهم بالذكر والشكر، وبذلك تتم النعم ).
فمن ذكر الله ذكره الله قال -تعالى-: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]
وذكره أعظم الأشياء قال تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]
وباب من أبواب استجلاب الرحمة فعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
وتضمنها الخير الكثير والفضل العظيم فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى)).
وبهذا يتبين مدى أهمية الذكر في هذه الأيام المباركة في الوقت الذي يحرص فيه الناس على اللهو والمرح والترفيه وتغليبه على الذكر والدعاء.
فنسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. إنه المسؤول عن ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم