حديث الجمعة : في مولد خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم

حديث الجمعة : في مولد خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم

5 سبتمبر، 11:00

الحمد لله الذي منَّ على هذه الأمة بنعمة خير البرايا، وجعل التَّمَسُّكَ بسنته عصمةً من الفتن والبلايا، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله الثباتَ على السنة والسلامة من المحن والرزايا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالِم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، كريم الخصال وشريف السجايا، والمجبول على معاني الأخلاق والمعصوم من الدنايا، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهَد في الله حقَّ جهاده، جيَّش في سبيل ذلك الجيوشَ وبعَث البعوثَ والسرايا، عليه من الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وأشرف التحايا.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله -تبارك وتعالى-؛ فبتقوى الله تصل الأمة إلى أسمى المدارك وتسلَم من دركات الشر والمهالك.

أيها الإخوة الأحبة في الله: ما أكرم الله هذه الأمة؛ أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ما أكرمها به ببعثة سيد الأولين والآخرين ومنة الله ورحمته للعالمين، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 164].

إخوة الإسلام، أحباب سيد الأنام: -عليه الصلاة والسلام-، الشخصية الفذة التي تتضاءل عند عظمتها عظمة كل عظيم من البشر هي شخصية الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي حبيب القلوب والمبلغ عن علام الغيوب بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، وسيرته العطرة بما فيها من شمائل نبوية ومعجزات محمدية ووقائع مصطفوية كلها معين ثَرّ وينبوع صاف متدفق يرتوي من نميره كل من أراد السلامة من لوثات الوثنية، والنجاة من أكدار الجاهلية، بل هي الشمس الساطعة، والسَّنَا المشرق المتلألئ، والمشعل الوضاء، والنور المتألق الذي يبدد ظلمات الانحرافات كلها.

أيها المسلمون: إن حاجة الأمة إلى معرفة سيرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والاقتباس من مشكاة النبوة فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذاك فوق كل ضرورة، فكل من يرجو الله واليوم الآخِر يجعل الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- قدوتَه، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أسوتَه؛ كما قال عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ:21].

وأهل الإيمان الحق يستمدون من الهدي النبوي كل أمورهم، فلا تستقيم السبيل إلا بذلك، فبهديه -عليه الصلاة والسلام- يهتدون، وعلى ضوء سُنَّته يسيرون، ومن معين نبوته يرتوون، ولأعلام هدايته يحملون، وتحت لوائها يجاهدون، أسقطوا الرايات المشبوهة، ودحضوا الشعاراتِ الزائفةَ، ولم يُبقوا إلا شعارَ التوحيد والمتابعة، عليه يحيون وعليه يموتون، وفي سبيله يجاهدون، وعليه يلقون الله رب العالمين.

أمة الإسلام: ولد -عليه الصلاة والسلام- في هذه البقاع الشريفة وكانت ولادته إيذانا ببزوغ فجر الحق وغروب شمس الباطل

ولد الهدى فالكائنات ضياء … وفم الزمان تبسم وثناء

الله أكبر إنه ضياء الحق والإيمان أشرق على الدنيا فبدد سحب ظلام الجاهلية وقضى على معالم الشرك والوثنية وانطلق بالإنسان إلى آفاق الحرية الشرعية، وبين بطاح مكة ورباها نشأ وترعرع -عليه الصلاة والسلام- ودرج مدارج الصبا محفوظا بحفظ الله من أرجاس الوثنية ولوثات الجاهلية، نشأ يتيما تكلؤه عناية الله، وعندما بلغ الأربعين من عمره الشريف أكرمه الله بحمل الرسالة وبعثه إلى كافة الناس للهداية والبشارة والنذارة، وكم لقي في سبيل تبليغ دعوة ربه من الأذى فصبر وصابر واستمر وثابر، ثلاث وعشرون سنة لم تلن له قناة ولم يفتر عن تبليغ رسالة الله، أيده الله بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، وجبله على أكرم سجية، وخصه بأفضل مزية، عليه من الله أفضل صلاة وأزكى سلام وتحية، وهبه من الأخلاق أعلاها ومن المكارم أزكاها ومن الآداب أفضلها وأسناها، وحسبكم بمن وصفه ربه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [الْقَلَمِ: 4]، وعندما اشتد أذى خصومه له في مكة أذن الله له بالهجرة إلى المدينة قاعدة الدعوة ومنطلق الرسالة، وأساس دولة الإسلام، فأقام سوق الجهاد والدعوة إلى الله، حتى انتهت بعز الإسلام ودخوله -صلى الله عليه وسلم- مكة فاتحا، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وبعد حياة حافلة بجليل الأعمال وكريم الأقوال والفعال توفاه الله عز وجل ولحق بالرفيق الأعلى بعد أن بلغ البلاغ المبين، وأنار الطريق للسالكين فجزاه الله عن أمته خير ما جزى نبيا عن قومه، وصلوات الله وسلامه عليه دائما وأبدا إلى يوم الدين، هذه يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إشارات إلى جوانب من السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

مواضيع ذات صلة