حوار بلا قيود مع طارق بن هيبة…حاوره في باريس ▪ الطاهر العبيدي *
♠ فجع المهجر التونسي يوم أمس بموت • طارق بن هبة ▪ المناضل التاريخي والناشط الحقوقي الذي لا يستكين، واليساري المستنير، والوطني المنحاز للبلد وهموم الجماهير ♠
“طارق بن هبة” أحد الوجوه الحقوقية التونسية الفاعلة في الساحة الفرنسية منذ سنوات، فهو رئيس الفيدرالية الدولية من أجل مواطنة بين الضفتين، إحدى الجمعيات التي تعنى بمشاغل وهموم المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين على الصعيد الاجتماعي والإنساني. له بصمات واضحة رفقة العديد من النشطاء، نذكر منهم على سبيل الذكر رفيقه المناضل
” محي الدين شربيب ” في إسناد ودعم أحداث الحوض المنجمي، التي أرّقت حقوقيا وإعلاميا النظام التونسي المنهار، إلى جانب ارتباط اسمه بالدفاع واحتضان آلاف الشباب التونسيين الذين تدفقوا بعد الثورة إلى مدينة ” لبّدوزة ” الايطالية، ومن هناك تسللوا بطريقة غير شرعية لفرنسا. يضاف إلى ذلك انخراطه في حركة 18 أكتوبر، التي أرّخت لتأسيس جبهة للمعارضة التونسية من مختلف الطيف السياسي. قدّم ترشحه للمجلس التأسيسي كرئيس القائمة الجمعياتية، وقد أجرينا معه هذا الحوار ذو الأسئلة العاصفة كما قال لنا بشيء من العتاب المتأدب، غير أن مهمتنا هي السعي لاستجلاء الحقائق، والتقاط الهمس العلني والخفي، بعيدا عن التوضيع أو استنقاص الجهود، ودون أن نكون معنيين بمقاضاة الناس..
▪ طارق بن هيبة، أنت تقود قائمة ” مناضلي الهجرة التونسية ” دائرة فرنسا الأولى، فكيف تمّت عملية انتقاء عناصرهذه القائمة، في حين أن الساحة الفرنسية تحوي الكثير من الفاعلين حقوقيا، المشهود لهم بالكفاءة والتاريخ النضالي والتجارب المعتبرة، ممّن وقع تغييبهم وعدم تشريكهم حسب ما يهمس به البعض في السرّ والعلن؟
◄إن تكوين قائمتنا “مناضلي الهجرة التونسية ” التى انبثقت بعد سلسلة من النقاشات مع النشطاء، من مهاجرين ومناضلي حقوق الانسان، يعتقدون بأن المشاركة السياسية يمكن أن تكون امتدادا طبيعيا للعمل الجمعياتي والثقافي والاجتماعي. وعلى الرغم من القيل والقال، فإننا لم نستبعد أيّ أحد جاء وأراد المشاركة في النقاش حول الانتخابات، وأراد الترشح من الموقع الخاص لهذه اللائحة. ومسيرتي ومسيرة زملائي النضالية تبرهن على مدى تشبثنا بالوحدة والديمقراطية.
▪ في صورة ما إذا فازت قائمتكم في هذه الانتخابات، فما هي الإضافة التي ستحققها للمواطن التونسي في المهجر، الذي يعيش هواجس تتعلق بوجوده في هذا البلد منها الهوية – اللغة – التعليم- التفكك الأسرى- الانحلال الأخلاقي – التدين – الحجاب – الزواج المختلط – مفهوم الاندماج…وغيرها من القضايا والهموم الاجتماعية؟
◄يعلم الجميع الدور الكبير للنشطاء الجمعويين في النضال من أجل حقوق المهاجرين التونسيين وضد دكتاتورية “بن علي”، وضدّ السياسات العنصرية هنا في بلاد الهجرة. وذلك ما يجعل وجودهم داخل أول جمعية تأسيسية ضروري وطبيعي، ويهدف إلى حمل صوت هؤلاء المنسيين، وإسناد نضالهم بوجه معاناتهم الاجتماعية والثقافية وتصدّيهم الفردي والجماعي للتمييز والاسلاموفوبيا التي يعانون منها في كل الميادين. تتضمن لائحتنا مطالب تأسيسية ودستورية، وكذلك لها مطالب تتعلق بحياة المهاجرين: إننا نريد وببساطة أن نكون مواطنين كاملي الحقوق في تونس كما هنا في فرنسا.
▪ أنت رئيس « الفيدرالية الدولية من أجل مواطنة بين الضفتين »، وهي جمعية تشتغل على قضايا محدّدة، غير أن الملاحظ أنكم بعد الثورة أصبحتم تتحدثون باسم كل المهاجرين سواء في المجلس الأعلى لحماية الثورة، أو بعض الأطر والهيئات السياسية الأخرى. ما جعل البعض يعتبركم تمارسون وصاية مكشوفة، ومحاولة اختزال لجهود العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية الأخرى، التي لها تاريخ نضالي ووجود فاعل منذ سنوات بعيدة؟
◄لم أعد رئيس الفدرالية، وهذه ليست جمعية دولية وإنما وببساطة جمعية للمهاجرين التونسيين في فرنسا. لقد تركت مسئوليتي تلك منذ القبول النهائي للائحة “جمعويي الهجرة التونسية”. ولم أتكلم باسم الهجرة التونسية عموماً، كما أني لست المهاجر الوحيد داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. نحن خمسة، وآمل أنكم ستطرحون عليهم السؤال ذاته. وقد تكلمت باسم جمعيتي فحسب، فهل يجب الصمت لنيل إعجاب هؤلاء السادة الذين يتقولون هذه الأشياء؟ لا أظن ذلك، وبعدما تحرّر الكلام اليوم، فليعبر كل منا عن أفكاره، بصدق ومع الاحترام المتبادل.
▪ ما هي المواصفات السياسية للشريحة التي تعتقدون أنها ستمنحكم أصواتها دون غيرها. وما هو ردّكم حول ما يقال أن قائمتكم تلبس ثوب الأداء الحقوقي في العلن، وفي الخفاء تقودون تيارا فرانكفوني ذو توجه يساري تغريبي؟
◄هذا سؤال هو الآخر محكوم بميول جزئية وحزبية. فهذا القول يمثل محاكمة للنوايا، وتحرّكه أحقاد. هل عليّ التذكير بأني أنتمي إلى اليسار الديمقراطي التونسي، وأني اعتقلت وعذبت بسبب أفكاري، ولمناداتي بالديمقراطية في بلادي. يعلم الجميع إني لم أكن يوماً استئصاليا، وآمل أن من ينطقون سراً بهذه التهم ليسوا استئصاليين جدد، وأنهم سيرضون بأن يعبّر “التوانسة” عن قناعاتهم بما قد يخالف رأيهم، من دون إلقاء التحريم عليهم. ليس لدى قائمتنا خطان، واحد علني وآخر سري، وأتمنى أن تلاقي فئات واسعة من المهاجرين نفسها في المطالب التي تحملها قائمتنا.
▪ لكم علاقات متطوّرة مع الحزب الشيوعي الفرنسي، وكذلك الاشتراكيين المرشحين للرئاسة الفرنسية، فما هي تأثيرات هذه الصداقة الخاصّة على المشهد السياسي التونسي وعلى قائمتكم خصوصا، وهل تعتمدون في حملتكم هذه على الدعم المادي الأجنبي، وتحديدا الفرنسي؟
◄لضرورات المحاربة الفعاّلة للسياسات الدكتاتورية لبورقيبة وبن علي، عقدنا رفاقي وأنا صلات قوية مع الديمقراطيين الأوروبيين والفرنسيين، وكانت أغلبيتهم من اليسار، فهل نُلام على ذلك بينما كان اليمين الفرنسي والأوروبي صديق الدكتاتوريات العربية في المغرب والمشرق. تلك ليست علاقات شخصية وإنما سياسية، تقوم على مبادئ التضامن مع نضالات الشعب التونسي، الاجتماعية والديمقراطية. حين زارت شخصيات ديمقراطية فرنسية سكان مدينة ” الرديف ” الشجعان، الذين كانوا يقاتلون الظلم، سررنا جميعاً. ثم هل عليّ التذكير بأن هؤلاء الديمقراطيين ساندوا جميع التوانسة بغض النظر عن الإيديولوجيات؟ علاقات التضامن تلك مكسب لنضال الشعب التونسي وهي قائمة على التضامن المبدئي وليس سواه.
▪ أرسلت رسالة داخلية باللغة الفرنسية إلى أعضاء جمعيتكم بتاريخ 12 جويلية 2011، تطلب فيها من رفاقك ممّن يودون الانضمام للهيئة الفرعية المستقلة بفرنسا أن يرسلوا طلبهم إليك. وقد نشر هذا الرسالة في العلن الأستاذ “عبد اللطيف بن سالم” مرققة بعريضة احتجاجية ضدّ هذا الأسلوب، ممضاة من طرف ثلة من الناشطين سياسيا. فبماذا تفسّر هذا الشكل الذي يطعن في حيادية هذه الهيئة التي لم تعد محل ثقة عند البعض بل وفقدت لديهم غطاء الاستقلالية والنزاهة؟
◄لقد اصدر مسئول حزب سياسي تونسي رسالة علنية بهذا الصدد ما زلت انتظر اطلاعي عليها رغم تكراري للطلب. ولعلها سرقت! وبجدية أكثر، فهذه ليست أساليب مقبولة ولا بد للنقد من أن يرتفع إلى مستوى أكثر رقيا. لم أطلع على العريضة التي ذكرتها، ولكن الفدرالية تؤيد، بعكس جهات أخرى، إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات وتتمنى نجاحها في عملها. ولا يشارك أحد من الفدرالية بعمل هذه الهيئة، كما لم ترتكب الجمعية التي أنتمي إليها ما تلام عليه أخلاقيا. الفدرالية تتعرض لهجوم غير مبرر، وهي تتمنى أن يكف ذلك.
▪ بماذا تفسرون هيمنة التوجه اليساري على أغلبية الهيئات الفرعية المستقلة للانتخابات بالجهات وعدم توخي الشفافية والوضوح ومنها هيئة فرنسا التي اعتمدت إقصاء منظما وتحييدا مقصودا للعديد من الطاقات والكفاءات الوطنية النزيهة مما خلف استياء لدى الكثيرين من المتابعين للشأن التونسي؟
◄هذا سابع سؤال نقدي! ولكنه نقد لا يستند لأساس.. ومن دون ذكر أسماء مناضلين احترمهم من الهيئة الفرعية للانتخابات فرنسا واحد وفرنسا اثنين ، ولكني اعتقد أنها هيئات تضمّ أسماء لا تنتمي إلى اليسار. والأحزاب التي ترى أنها ظُلمت لم تستثن بمرسوم، وأنا اترك لمسئولي الl’ISIE الإجابة، فأنا وإن كنت ادعم تلك الهيئات إلا أني لست محام عنها. ولكني أعلم أن منتقدي تلك الهيئات قد حاولوا بكل السبل تخريب هذا المنجز المتحقق لتونس الجديدة، تونس الثورة. وحين أجلت الانتخابات، جرى كلام عن كارثة ووجهت الإهانات للمناضلين وعائلاتهم، وكانت كلها وضيعة. وعلى كل حال مع اقتراب موعد الثالث والعشرين من أكتوبر أصاب الصمت الجميع. وهذا كله حالة غير جدية، يكمن اعتبارها عائدة لحمّى انتخابية. وككل حمّى، فهي قابلة للعلاج.
▪ بدأت أصوات خافتة وأخرى متلحفة بالاستفتاء تشكك في إجراء الانتخابية في موعدها، فأين تتموقعون من هذه التجاذبات، وهل تتوقعون أن انتخاب المجلس التأسيسي إذا ما تمّ سيكون مقدمة في اتجاه الإقلاع نحو الديمقراطية، أم هو باب سينفتح على مزيد الصراعات والخلافات والتطاحن السياسي؟
◄طلب الاستفتاء ليس جدياً، وكان على أصحابه أن يطرحوا الأمر في مارس أو أفريل 2011. فاليوم، وحتى لو كان الموضوع شرعياً، فقد فات الأوان للاستجابة له وتنظيم استفتاء. ونحن نؤيد الاتفاق الذي بادر إليه السيد بن عاشور بخصوص تنظيم السلطات بعد الانتخابات، مما يسوي الأمر.
إن انتخاب الجمعية التأسيسية عمل تاريخي، وهو يفتح الطريق أمامنا للحرية والديمقراطية. والجدل والنقد حالة طبيعية في نظام ديمقراطي، وإنما حين يتكلم البعض بصوت عال جداً أو بأخطاء كبيرة، نقول لهم ذلك ونستعيد النقاش. لن يتغير كل شيء بيوم واحد، ولكن لا يوجد سبيل آخر. ولذا فنحن نحيي التأسيسية والتقدم والتسامح والديمقراطية. نحن مهاجرون، ولكننا “توانسة” قبل كل شيء.
————————————————————————————————-
نُشِرَ فِي :
◙ الوسط اليوم (الفلسطينية ) ← 28 – 9 – 2011
◙ الجزائر تايمز ←1 – 10 – 20
- ( حوارات في المنفى)