حين يصفّق العالم للفراغ… ويسكت الوعي…. بقلم: أشرف المذيوب

حين يصفّق العالم للفراغ… ويسكت الوعي…. بقلم: أشرف المذيوب

28 أكتوبر، 20:45

في زمنٍ صارت فيه الأصوات أعلى من العقول، والسطحية أسرع من الفكرة، يجد المفكر نفسه غريبًا في عالمٍ يصفّق للضوضاء ويشيح بوجهه عن الصمت الذي يحمل المعنى. مفارقة موجعة: يعلو صوت التافه لأنه صاخب، ويُهمَل صوت العاقل لأنه هادئ.
🌍 حين يصبح الفراغ محتوى
لم يعد الحضور يُقاس اليوم بما يُقال، بل بما يُسمَع. لم تعد الكلمة تُقاس بصدقها، بل بعدد الإعجابات عليها. هكذا تحوّل الوعي إلى سلعة رقمية، وصار الفكر يُقاس بمؤشرات لا تعرف شيئًا عن القيمة أو المعنى.
الخوارزميات لا تفهم الفكرة، فهي بلا روح كي تفرّق بين من يضيء العقل ومن يغرقه في الظلام. إنها تروّج لما يُثير، لا لما يُفكّر فيه. لذلك، حين تكتب عن الإنسان، تمرّ مرور الكرام، وحين يرقص أحدهم على التفاهة، تحتفي به الشاشات.
🧠 صمت العقول… وضجيج الوجوه
العقل لا يصرخ. الفكر حين يولد، يولد في الهدوء، كصلاة في ظلمة الفجر. أما التفاهة، فهي تحتاج إلى الصخب كي تُرى. تعيش من الضوء، لا من العمق، ومن الوهم، لا من الجوهر.
هكذا صارت المعاني العظيمة تُهمَل لأنها لا تثير شهية الجمهور، وصار الوعي يُعامل كترف لا حاجة له. لكن من يكتب للفهم، لا ينتظر تصفيقًا. يكفيه أن تصل كلماته إلى عقلٍ واحدٍ استيقظ من غفوته، فذلك وحده انتصار في زمنٍ يتآمر فيه الجهل على الفكر.
⚖️ حين تُصبح السطحية ثقافة
التافه لا يُخيف أحدًا، لذلك يُروَّج له. أما العميق، فيُقلق، لأنه يُعيد ترتيب الفوضى داخل الإنسان. السطحيّ يُضحك، والعميق يُحرّك الأسئلة والأسئلة مكروهة في زمنٍ يخاف من الحقيقة.
لقد أصبحت التفاهة سيدة الموقف، تمنح شهرة بلا معنى، وتخدّر العقول بنشوة زائفة. لكنها، مهما علا صوتها، تظل بلا جذور، كزبد البحر يلمع لحظة على الشاطئ ثم يبتلعه المد.
🔁 خوارزميات بلا نية… وجمهور بلا وعي
غريب هذا العصر الذي صارت فيه الخوارزميات أذكى من البشر… لكنها في الوقت نفسه أكثر غباءً منهم. هي لا تفهم النوايا، لا تفرّق بين إعجاب صادق واستنكار غاضب، بين تصفيق للجهل وصرخة ضدّه. كل ما تراه هو حركة… وكل حركة تُغذّيها، فتكبر.
حين يهاجم الناس منشورًا تافهًا أو فيديو مبتذلًا، يظنّون أنهم يُطفئون ناره، لكنهم في الحقيقة يُلقون عليه مزيدًا من الوقود. هكذا ينتصر العبث بأدوات العقل ذاته، ويعلو الضجيج لأننا جميعًا عن غير قصد نشارك في صنع مكبّر صوته.
🌱 الكلمة التي تبقى
أما الكلمة الصادقة، فتمشي على مهل، تُشبه بذرة لا تراها الأعين، لكنها حين تنبت تغيّر وجه الأرض. هي لا تبحث عن التصفيق، بل عن عقل يُصغي وقلب يعي.
يبقى الكاتب الحقيقي غريبًا بين الحشود، لكن غربته ليست ضعفًا، بل نقاء. من يختار طريق الفكر، يختار أن يمشي ضد التيار… أن يضيء شمعة في زمن يعبد الأضواء الاصطناعية.
🖋️ أشرف المذيوب كاتب يؤمن أن الكلمة الصادقة لا تحتاج جمهورًا، بل إنسانًا واحدًا يعيد بها اكتشاف نفسه. الفكر لا يموت، وإن سكت عنه الجميع… يكفي أن يبقى في عقل واحد ليستمرّ النور.

مواضيع ذات صلة