حين يُغتال الحياد… صرخة من تحت الأنقاض…اشرف المذيوب

حين يُغتال الحياد… صرخة من تحت الأنقاض…اشرف المذيوب

5 أوت، 21:15

في غزة، لا يموت الناس فقط لأنهم ضحايا القصف، بل لأن من يسعى لإنقاذهم يُستهدف هو الآخر.
هناك، الموت لا يميّز بين أنين طفلٍ وجُهد طبيب، بين مسعفٍ يركض وسط اللهيب، ورجلِ دفاعٍ مدنيٍّ يحفر تحت الركام بيديه العاريتين.
قالت الأمم المتحدة إنها “صُدمت”.
صُدمت لأن أولئك الذين يُفترض أنهم محميّون بموجب القانون الدولي… أصبحوا أهدافًا مباشرة.
منشآت الهلال الأحمر تُقصف، سيارات إسعاف تُمحى من الوجود، وعناصر الدفاع المدني يُنتشلون جثثًا من تحت الأنقاض التي كانوا يُنقذون الناس منها قبل دقائق.
49 شهيدًا من كوادر الهلال الأحمر،
و136 من رجال الدفاع المدني الفلسطيني.
لم يطلقوا رصاصة، لم يرفعوا راية، لم يطلبوا نصرًا… كل ما فعلوه أنهم حاولوا الحفاظ على نبض الحياة.
في زمنٍ تتحوّل فيه الأخلاق إلى بيانات صحفية، والضمير إلى تغريدات، يُدفن هؤلاء الأبطال بصمت.
لا جنازات تليق بتضحياتهم، ولا كاميرات ترصد لحظات فدائهم.
واستهدافهم لم يكن “أضرارًا جانبية”، بل رسالة واضحة ومخيفة:
“حتى الحياد… لن يُعفى من النار.”
فما معنى أن تضع الأمم المتحدة شارات الحماية على سيارات الإسعاف، إن كانت تُقصف بسبق إصرار؟
وما جدوى اتفاقيات جنيف إذا لم تحمِ أولئك الذين يحملون المصابين على أكتافهم؟
وهل بقي للحرب وجه إنساني، إذا استُهدفت اليد التي تمتد لإنقاذ الجرحى؟
ألم تُجمع القوانين الدولية على أن المسعفين محميّون؟
ألم توقّع الدول على مواثيق تُجرّم استهداف فرق الإغاثة؟
أم أن هذه المواثيق لا تسري على الفلسطينيين؟
البيانات الأممية، وإن جاءت شاجبة، تبقى ناقصة ما لم تُتبع بمحاسبة.
فالإدانة لا تُعيد الشهداء، ولا توقف القصف، ولا تحمي المُنقذ القادم.
إنّ الدفاع المدني والهلال الأحمر هما شريانا الحياة الوحيدان في غزة المحاصرة.
وإذا ما تم استهدافهما، فهذا يعني أن الحياة ذاتها باتت مطاردة.
كل صاروخ يسقط على مبنى طبي،
كل قذيفة تطال سيارة إسعاف،
كل رصاصة تقتل مسعفًا أو منقذًا،
هي وصمة عار في جبين من يدّعي الحضارة والإنسانية.
غزة لا تطلب شفقة، بل عدالة.
لا تسعى فقط إلى الغذاء، بل تطلب كرامة لأولئك الذين يسيرون نحو الجرح، لا يفرّون منه.
غزة تطلب من هذا العالم أن ينظر في المرآة ويسأل نفسه:
“هل بقي فينا إنسان… حين قُتل من حاول إنقاذ الإنسان؟”

مواضيع ذات صلة