
حين يُمزّق الكتاب… من يرمم روح الطالب؟….اشرف المذيوب
عن تمزيق الكتب، ورحلة المعرفة المفقودة في مدارسنا
عند نهاية كل عام دراسي، وبين صيحات الفرحة الممزوجة بالإنهاك، يتكرر مشهد غريب: كتبٌ تتطاير، صفحات تُمزّق، دفاتر تُرمى أرضًا بلا رحمة.
قد يبدو المشهد طريفًا أو “تحرّريًا” في نظر البعض… لكنه في الحقيقة صرخة. صرخة صامتة في وجه نظام تعليمي أرهق النفوس، ثم نسيها.
ما الذي يجعل طالبًا يمزق كتابًا تعلّم منه طوال عام؟
هل هو الكره؟ أم الخوف؟ أم أنه ببساطة إعلان دفين: “أنا تعبت… ولا شيء من هذا منحني المعنى”؟
كتاب يُمزّق، ونفسٌ تتألم
الكتاب المدرسي ليس مجرد ورقٍ وحبر… إنه مرآة عام كامل من التوتر، الامتحانات، الخيبات، وربما بعض النجاحات.
حين يُمزّق، لا تُمزّق صفحاته فقط، بل تُشقّ داخله علاقة مقدسة كان يمكن أن تنشأ بين الطالب والمعرفة.
إنه مشهد أشبه بتفريغ مكبوت. تمرد على ضغطٍ نفسي تراكم في صمت. رسالة احتجاج على نظام تعليمي يرى في الطالب وعاءً للحشو، لا عقلًا للخلق.
أزمة أعمق من ورقة
لماذا نُصرّ في عالمنا العربي على مناهج تُلقّن لا تُفهم؟
لماذا نحشو العقول ولا نحرر الأرواح؟
ولماذا لا يزال الكتاب، في عيون الكثير من الطلبة، رمزًا للعقوبة، لا الاكتشاف؟
نظامنا التربوي جرح مفتوح.
يعاني من:
فقر في الأسلوب،
جمود في المحتوى،
تجاهل متكرر للصحة النفسية.
في مدارسنا، قلّما يُقال للطفل: “ابحث”، “اكتشف”، “أخطئ وتعلّم”… بل يُقال له فقط: “احفظ… ثم انسَ”.
وفي المقابل… هناك حيث تُزهِر الكتب
فلننظر إلى فنلندا، حيث المدرسة مكان للبهجة لا للرعب.
في كندا، الكتاب يُعاد استخدامه لأجيال.
في اليابان، يُعلّم الطفل منذ الصغر كيف يعتني بكتابه كأنه كنز شخصي.
هناك، التعليم ليس اختبارات فقط، بل رحلة نحو الفهم. الكتاب ليس سجنًا، بل مفتاحًا لعالم واسع. والأهم: الطالب ليس رقمًا في دفتر، بل إنسان يُصغى له ويُحترم.
فلنبدأ من هنا… كيف نُصلح العلاقة مع الكتاب؟
- فهم لا حفظ: لنجعل المناهج تنبض بالحياة، وتدعو للتفكير لا للتكرار.
- إحياء قيمة الكتاب: عبر حملات توعية وورش فنية تزرع احترام المعرفة.
- احتفالات ختامية إيجابية: تجعل نهاية العام لحظة فخر لا تمزيق.
- دعم نفسي مستدام: بجعل الاستشارة النفسية حقًا، لا ترفًا.
- ثقافة التبادل والتدوير: كتب تمر من يد إلى يد، ومن فكر إلى فكر.
- مناهج عصرية وجذابة: تجعل من الكتاب رفيقًا لا خصمًا.
- صوت للطلاب: من خلال مجالس طلابية تساهم في صناعة القرار التربوي.
الكتاب ليس ضحية… نحن من خذلناه
كل كتاب يُمزق، هو سؤال يُطرح علينا:
هل علمنا أبناءنا كيف يحبون المعرفة؟ أم كيف يخشونها؟
الكتاب هو قلب الحضارة. من صفحاته خرج الفلاسفة، والعلماء، والأنبياء، والحالمون.
وحين يُمزق، لا يخسر الطالب فقط مرجعًا… بل نخسر نحن فرصة لإعادة بناء الثقة بين التعليم والروح.
خاتمة: لا تمزقوا الجسور… ابنوا بها المستقبل
فلنجعل من نهاية العام احتفالًا بالعلم لا نعيًا له.
ولنُربِّ أبناءنا على أن الكتاب ليس امتحانًا فحسب، بل فرصة… ليكون لكل واحدٍ منهم قصة، ولكل كتاب حياة.
لعلنا بذلك نرسم مشهدًا جديدًا…
طفلٌ يغلق كتابه في احترام، لا يمزقه. يطويه، يبتسم، ويقول:
“شكراً… كنت رفيقي في طريق الحلم.”