“خبر من فلسطين” : يودعون الحياة من ينقذ أطفال غزة؟…لبنى حمودة
لعل أبلغ تعبير عما يحدث في غزة هو ما جاء على لسان المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز حينما صرحت قائلة إن “الإطالة بالإفلات من العقاب تولد الجنون, وليس فقط عدم الشرعية, ولو تمت معالجة انتهاكات إسرائيل منذ فترة طويلة, لما وصلنا إلى ما رأيناه من إبادة” نعم إن ما يحدث في غزة هو ضرب من ضروب الجنون, فآلة الدمار الإسرائيلية الوحشية لم تنفك تحصد الآلاف من الأرواح البريئة على مدار 297 يوما, الحرب الأكثر دموية عبر التاريخ يدفع ثمنها الأطفال في غزة من لحم ودم ,أكثر من 14ألف طفل قتلوا قصفا وقنصا وإعداما وتجويعا فلا الحكومات ضغطت, ولا المنظمات الحقوقية تحركت فعليا, ولا الشعوب انتصرت لغزة, بل وبالتزامن مع صوت دوي الانفجارات يهز قطاع غزة علا صوت التصفيق في مبنى الكونغرس الأمريكي ووقف النواب تقديرا وإجلالا لنتنياهو المتهم بجرائم حرب والذي أبدع في تحريف الكلم عن مواضعه لمدة 55 دقيقة في مشهد دراماتيكي بامتياز انتهى بصلب الإنسانية على أعتاب مجلسهم الموقر.
سياسة الأرض المحروقة والأوصال المقطعة
منذ أكثر من أسبوع وخان يونس جنوب قطاع غزة تحت مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي, منذ أكثر من أسبوع و خان يونس من جديد تقصف بالصواريخ والمسيرات, منذ أكثر من أسبوع وقنص المدنيين لا يتوقف, مع تدمير للبنية التحتية, وإمعانا في التنكيل بالمدنيين أصبح الجيش الإسرائيلي يعتمد آلية جديدة في عدوانه وهو القصف الذي يتبعه بعد دقائق قصف ثاني في المكان نفسه يستهدف المسعفين وكل من يبادر لنجدة الجرحى والعالقين تحت الأنقاض.
كتب ابراهيم الغولة(بتصرف) قبل استشهاده بساعات :”لا أريد أن أنتهي في كيس… أتنازل عن كل شيء عدا موتي… أريد كفنا كاملا طوله 192 سنتيمترا… لا أتنازل عن جثتي بل أريدها كاملة… أريد ذراعي وقدمي وقلبي و رأسي وأصابعي العشرين وعينيا أيضا أريد اسمي على الشاهد… عمري كذلك… كأمنية أخيرة لنا “مشاهد الجثث المقطعة الأوصال أصبحنا نراها باستمرار عبر الشاشات.. يقول شهود عيان الصواريخ هذه المرة شديدة الفتك, فالجثث مقطعة الأوصال والجرحى مبتورو الأطراف وكم من مشاهد مباشرة تصلنا من المستشفيات لأطفال مقطوعي الرؤوس, ومشاهد أخرى لأطفال بأطراف صناعية تدمي القلوب.
يقول الدكتورالأمريكي مارك بيرلموتر جراح العظام العائد من غزة لشبكة “سي بي إس” الأمريكية أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف الأطفال وأنه شاهد أطفالا محترقين وممزقين, ومنهم من فقدوا أجزاء من أجسادهم, وأنه أخرج من بعضهم شظايا قنابل كبيرة الحجم, وأضاف أنه وقف على أكثر من حالة قنص للأطفال بالرصاص في الصدر والرأس, وأن ما يقوله موثق لديه, واصفا الوضع في غزة بالكارثي.
قصف مدارس الأونروا وسكان القطاع من نزوح إلى آخر..
بما أن الحرب في غزة تجاوزت كل الخطوط الحمراء, وبما أن الجنون هو سيد الموقف هناك وأمام صمت المجتمع الدولي, فقد تحولت مدارس الأونروا لبنك أهداف في الحرب و بنفس الذريعة وجود مقاتلين, فقد دمروأحرق الجيش الإسرائيلي العديد منها بشكل كامل, وأخرى أصابها بأضرار بالغة, ومع كل قصف تتناثر جثث النساء والأطفال والشيوخ بأعداد كبيرة, وتزدحم المستشفيات التي تفتقد لأبسط المعدات بالجرحى,حتى المدارس الخاصة التي فتحت أبوابها للنازحين لم تسلم هي الأخرى من القصف, فقد قصف الاحتلال منذ أيام مدرسة السيدة خديجة الخاصة في دير البلح, والتي تضم حوالي 4 آلاف نازح, مخلفا مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 36 شهيدا من بينهم 16 طفلا و9 سيدات, الغريب أنه بعد إخلاء المنطقة عاد الاحتلال ودمر المدرسة بالكامل, والمستشفى الميداني الذي بداخلها, وألحق أضرارا بمدرسة أحمد الكرد المجاورة لها والتي فتحت أبوابها هي الأخرى للنازحين, لا مكان آمنا في غزة, فأرض القطاع وكل ما عليها هو هدف للترسانة الإسرائلية.
مجازر لا تعد ولا تحصى والجيش الإسرائيلي تنكيلا بالنازحين بات يكرر طلبات الإخلاء, ولا يترك لهم مجالا حتى لحمل أمتعتهم, فلا يكادون يستقرون في مكان إلا ويباغتهم الجيش بإخلاء المنطقة مجددا, مشاهد في خان يونس تصلنا لنساء وشيوخ وأطفال يبتون ليلهم في العراء, يفترشون الأرض وآخرين لا يعلمون أي اتجاه يسلكون والطرق كلها باتت غير آمنة.
أمراض منتشرة وظروف بيئية خطيرة
يعاني قطاع غزة منذ بداية الحرب من وضع بيئي كارثي,فالجيش الإسرائيلي يدمر كل ماهو حيوي بالقطاع, من مضخات مياه الصرف الصحي وشبكات الطاقة الكهربائية, وقد ذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن كمية النفايات المتراكمة في قطاع غزة تصل إلى 270 ألف طن, كما خلف الصراع حوالي 39مليون طن من الركام, وقد ذكرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن أن الضرر البيئي كبير ومتزايد في غزة, وأضافت أن أنظمة المياه والصرف الصحي قد انهارت ولا تزال البنية التحتية تتعرض للتدمير, مما يضر بشدة بالصحة والأمن الغذائي وصمود غزة, وذكرت التقارير أن النفايات تتراكم يوميا حول المخيمات والملاجئ, كما أن نقص غاز الطهي يجبر الأسر على حرق الخشب والبلاستيك والنفايات, مما يعرض حياة الأطفال والنساء للخطر.
في ظل الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة وفي غياب البيئة الصحية والنقص الحاد في الغذاء والماء والدواء و تدهور الوضع البيئي والصحي بالكامل, أصبحت تصلنا أخبار عن بكاء وصراخ الأطفال الذي لا يتوقف, نتيجة للأمراض التي باتت تفتك بأجسادهم الصغيرة التي لم تعد تتحمل وضعا كارثيا كالذي تعيشه غزة منذ ما يقارب عن 10 أشهر, أمراض جلدية خطيرة تفشت بين الأطفال ومياه غير صالحة لشرب تحمل فيروس شلل الأطفال, مما حدا بوزارة الصحة إعلان قطاع غزة منطقة وباء لشلل الأطفال, فمن لم يمت في انفجار أو نتيجة المجاعة مات من الأمراض الخطيرة التي باتت تهدد حياتهم.ولنا أن نتخيل أجسادا صغيرة في مواجهة أعتى القوات المسلحة المدججة بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا والذكاء الإصطناعي, هي إذا حرب إبادة للأطفال في غزة مع سبق الإصرار والترصد.
تصلنا شهادات من النازحين في الخيام والمدارس, أنهم لا يستطيعون النوم, ليس بسبب صوت محركات الطائرات العسكرية ولا الانفجارات هناك وهناك ولا شدة الحرارة ولا بسبب لدغات الحشرات والبعوض, بل بسبب صراخ وبكاء الأطفال المستمر, إنه ناقوس خطر يعلن أن الطفولة في غزة تحتضر,وأن البكاء والصراخ الشديد غدا سيخفت, وقد لا يعود يسمع, أين اليونسيف؟ أين باقي المنظمات الدولية؟ من ينقذ الطفولة في غزة؟ من ينقذ براعم صغيرة, ويمنحها المجال لتحلم وتعيش طفولتها ككل أطفال العالم يقول غسان كنفاني:ليت الأطفال لا يموتون…ليتهم يرفعون إلى السماء مؤقتا ريثما تنتهي الحرب…ثم يعودون إلى بيوتهم آمنين…وحين يسألهم الأهل محتارين أين كنتم؟ يقولون مرحين كنا نلعب مع الغيوم”.
لبنى حمودة