
رجل الشارع ، سيرة وانفتحت . بقلم أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي .
لا تصدقوا أيّا من رجال السياسة من حاكمين و طامعين و طامحين و متزلفين و منافقين ، فكل هؤلاء لا يفكرون أبدا في رجل الشارع و خطبهم هي مجرد ذر رماد على العيون لا غير . رجل الشارع أو من اصطلح على تسميته بالمواطن لا يهتم لا بالرئيس قيس سعيّد و لا بمرشد الإخوان المحبوس الشيخ راشد الغنوشى و لا برئيس حكومة تصريف الأعمال الصامت على الدوام السيد أحمد الحشاني و لا بالنشرة الجوية إلا إذا كانت مقدمتها حسناء لها مواصفات خاصة و لا تهمه مؤشرات البورصة و لا ارتفاع قيمة العملة الأجنبية ، همّ المواطن و مناط تركيزه هو رغيف العيش و هو لا ينظر إلى الحكومة إلا بمقدار توفيره مع قليل من الخضروات و ما يسمى ” باللحم الأبيض ” التي باتت أسعاره تناطح السماء هذه الأيام في غياب تام لما تزعمه حكومة السيد الرئيس من خطط و برامج و ما تعقده من ندوات و موائد نقاش مستديرة و مثلثة و مربعة .
رجل الشارع أو المواطن بات يحلم حلما يعلم أنه لن يتحقق بأن يشترى دجاجة “مصليّة ” تردّ الروح يعود بها فرحا مسرورا إلى منزله بعد يوم عمل شاق وصراع مرير مع حافلات فرنسا القديمة التي هللت حكومتنا الموقرة لقدوم أعداد منها بميناء رادس و أرسلت في استقبالها وزير النقل و طاقم الوزارة و لم يبق إلا الشاوش الذي ربما وجد الساحة فاضية فأقام فيها الآذان و الفاهم يفهم .
رجل الشارع بات يكره المستشفيات و الأطباء و لا يؤمن إلا بالدواء العربي لأنه كره و نفر من كل طبيب لا يعالجه إلا بعد أن يوجهه إلى مراكز التحليل ” الصديقة ” . لعل المواطن المنكوب قد وجد لذة في تدخين السجائر نكاية في ذلك الشعار الذي وضعته الحكومة محذرة من الأثر السوء للتدخين معتبرا أنه شعار بذيء لا يختلف عن حديث نساء الليل عن الفضيلة . ربما يشعر المواطن بالضيق و الإحباط و لكن لو سألوه عن أول شخص يخطر على باله يبادله الحديث فان رئيس الجمهورية أو القائم بتصريف أعمال الحكومة لن يكون في باله فهو على يقين بأن هذين الشخصين هما سبب البليّة و كما يقال هما المشكل و ليسا الحل .
حضرة المواطن الغلبان يمقت كل شعارا ت الحكومة و لا يصدق طبعا أنها تعمل لأجله و لا أنها ستعينه على مصاعب الدنيا و لا أنها ستفتح له بابا للرزق أو الاسترزاق خاصة أن حملات الحكومة الأخيرة ضد ما سمته ” بالانتصاب الفوضوي ” شاهدة على سوء نيتها و عدم اكتراثها بمصير الآلاف من العائلات المعوزة التي فقدت موقد رزقها في لحظة .
المواطن في بلدي فقد حاسة الشمّ فهو يعيش وسط القمامة و يمشى في أنهج معطوبة وسط مجارى الصرف الصحي و يستمع يوميا إلى وابل من العبارات الخادشة للحياء و حتى لو أراد أن يتطهر أو يرفع عن جسمه كميات العرق فيصادف حظه العاثر ذلك اليوم قرار و إعلان شركة الماء الموقرة تخصيصه لإصلاح قنوات التزويد بالماء التي يعود تركيبها إلى سنة انتفاضة الخبز في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة . لا أدرى من هو صاحب الفكرة السخيفة القائلة لا تعليق على أحكام القضاء و لكن أظن أن المواطن عندنا أصبح لا يؤمن لا بالقضاء و لا بمفهوم الدولة و غاية ما في صدره هو رفع يده لباريه معبرا بكونه لا يبغى ردّ القضاء بل اللطف فيه متمنيا بصدق كبير أن لا تؤخره المنّية إلى أرذل العمر ونفاذ الصحة .