رسالة ماجستير مالك خماخم  كشفت الجهل الذي ينهش في طفولتنا وشبابنا…رضا القلال

رسالة ماجستير مالك خماخم كشفت الجهل الذي ينهش في طفولتنا وشبابنا…رضا القلال

24 مارس، 21:07

حضرت  مؤخرا بالمعهد الأعلى للإعلامية والملتميديا بصفاقس مناقشة رسالة “ماجستير بحث” للصديق مالك خماخم، الذي تقاسمت مع والده د. رضا  سنوات فردوس الشباب المضيء  أيام الدراسة بالمعهد الثانوي الهادي شاكر، وبعد جسر الباكالوريا ذهب هو الى الحقوق “بالكامبيس” في العاصمة، وتوجهت أنا الى قسم التاريخ والجغرافيا بدار المعلمين العليا بباردو، بقي هو في مجال اختصاصه، وانتقلت انا الى الإعلام.

رسالة الماجستير جاءت تحت عنوان: “نحو إدارة متعددة المنصات للأخبار في بيئة تتعدد فيها وسائل الاتصالات” وحضر في لجنة المناقشة البروفسور فايز القرقوري(رئيس) مدير المعهد السابق، رئيس مخبر “ميراكل” ونائب رئيس جامعة صفاقس حاليا،  والأستاذ سفيان اللجمي(مقرر) والأستاذ أنيس الجديدي(مؤطر).

في الحيز الزمني لتقديم عمله للجنة وللحاضرين، بدا أن الطالب مالك خماخم قام بجهد لإعداد رسالته البحثية.  فقد أبان عرضه عن أدلة في الحفر، وتفان في البحث، واستند إلى وثائق ومصادر غنيّة. وفي كل هذا العمل تسلح بتجربة أولى تعود الى سنة 2003عندما حصل على دبلوم تقني سام في الإعلامية والملتميديا من المعهد الأعلى لفنون الميلتميديا بمنوبة في اطار الوكالة الجامعية الفرنكفونية بتونس.   اعقبتها تجربة مشروع نهاية الدراسات سنة 2006 للحصول على الاجازة من المعهد الأعلى  للإعلامية والملتميديا بطريق المحارزة.

اما تدخلات الأساتذة المشرفين فقد حققت لي على الأقل  متعة قدسية  المكان الجامعي وزمنه، وخلفت اثرا طيبا في نفسيتي.  فقد مارست اللجنة العلمية الدقة والانضباط والصرامة العلمية التحليلية،  واشتغلت على السؤال في حوارهم مع الطالب مالك. وبقى الأساتذة يجدّدون في السؤال لحد تفكيك البحث والقبض على أهميته وثغراته التي ستحصن عمله المستقبلي. ولم ارد ان اتحفظ على ذلك لان الاساتذة لم يتحاوروا بالشفرات والرموز، وانتبهوا لأمر السؤال وتحدثوا عنه باستفاضة نظرا طبعا لأهمية السؤال المركزية اليوم في البحوث والدراسات الجامعية وحتى التأملات الفكرية. ولو رفعت اللجنة سقف النقاش عاليا أحيانا، إلا أنها لم تضع الطالب في ظلمة المصعد،  إنما  أقرت له واعطته الضوء الأخضر في أحقيته وجدارته في النجاح، لما تحلّى به من إجابة منتظمة وواثقة. بل دعته إلى المرور إلى رسالة الدكتوراه.

عندما غادرت قاعة الاطروحات بالمعهد الأعلى للإعلامية والملتميديا بحي الانس. جالت بخاطري حكمتان :

الحكمة الأولى في المقولة المأثورة للإمام أحمد بن حنبل في طلب العلم “اطلبوا العلم من المهد، إلى اللحد”، أي أن في التوق الى المعرفة ليس هناك حاجز للعمر. وهذا مالك  يعود الى الماجستير بعد 15 سنة على حصوله على الاجازة في الإعلامية.  

الحكمة الثانية، ان حركة التاريخ تتجه باستمرار نحو التطور والصعود تحت تأثير عامل واحد اسمه ولقبه وكنيته العلم، ولا شيء غير العلم.  بل ان رحلة الوجود الحقيقية هي بشكل ما، رحلة العلم والمعرفة.

أول زمن الاستقلال كان كل ما فيه يدفع الى الصعود، ويشد بأيادي الطامحين الى التفوق والنجاح. الزعيم بورقيبة فتح الامل لشرائح الطبقات الدنيا من الجنسين كي تحصل على نصيب عادل في ملكية الوطن وحق التعليم المجاني والصحة. واليوم الجهل ينهش في طفولتنا وشبابنا، والمناخ السياسي الثقيل حاصرنا بسنوات عجاف.  والعقل التونسي أصيب بتخمة دينية زائفة، وبتخمة “الفايسبوك” التي دمرت الكتاب والقراءة. وبما أننا في دائرة العلم هل نقدر أن نعرف اليوم في خارطة بلدنا كم جاهل في الثريا؟، وكم عالم متخفّ؟ وعلى راي المثل الساري ان الحياة ذميمة إذا انحطت البازات(ج.باز) وارتفع البط ! 

ولعل خير مسك لهذه المقاربة هو التأكيد على هذه المناقشة المشرقة مثل العلم والحكمة، التي دعتنا جميعا الى إنعاش فضولنا للطالب مالك خماخم.  لقد رحل بنا في بحثه من خلال الكلمات المفاتيح الى أجمل الرحلات في وسائل الاتصالات الحديثة ووكالات الانباء العالمية وعمل الصحفيين، وآخر مصطلح في قاموس الاتصالات “انترنت الأشياء”…..والأسئلة التي تثير العقل وحتى الوجدان أحيانا. واقترح ان تتحول  كل الرسالات البحثية بالمعهد الى مجالس للمناقشة مع الطلبة. كما بمكن ان تكون هذه الرسالة محور لقاء في نقابة الصحفيين بصفاقس وإذاعة صفاقس بحكم انها تتصل بالإعلام وبمصادر الخبر وبالأنباء الصحيحة والزائفة او “المفبركة” كما تقول فرنسا 24 باللغة العربية.

ورغم فرحة الطالب مالك خماخم إلا أن دمعة بقيت معلقة في ذاكرته بوفاة والدته “حياة” وجده “علي” في فترة متقاربة.

رضا القلال.

مواضيع ذات صلة