ساكن البيت لا يعرف بيته… رضا القلال
.السيد منير اللومي، رئيس بلدية صفاقس الكبرى، أخذ الكلمة هذه الأيام في فعالية دولية يحضرها ضيوف من بلدان قريبة وبعيدة، وبما أن الحفل انتظم بمبنى البلدية فإنه تحدّث ومنذ البداية – وهذا جيّد وأحسن ما فعل- عن قصر البلدية الذي يعتبر جوهرة لا تقدر بثمن، إلا أنه في الأثناء ذكر أن هذا القصر يعود إلى أكثر من 125 عاما !!! عدت على الفور إلى وثيقة الزمن التاريخي، فأنا احفظ الكثير من تاريخ هذه المدينة أما بخصوص قصر البلدية: فاجتماع المقاولين لمناقصة القصر عقدت في سنة 1904. وفي سنة 1905 تم الشروع في بنائه، وفي 14 مارس من عام 1906 تسلمت البلدية مكاتب قصر البلدية، وأعطت البريق لتدشين أجمل بلدية في الايالة التونسية على الإطلاق، وأول بلدية جديرة بهذا الاسم في تونس. إضافة إلى أن الاجتماع الأول للمجلس البلدي بصفاقس التام في قصر البلدية بتاريخ 14 افريل 1906.فإذا أراد “السيد الرئيس” ، “المهندس المعماري” الرجوع تاريخيا إلى جاهزيّة المبنى -وهذا المعقول- سنة 1906 فإن عمر قصر البلدية 112 سنة لا أكثر. وإن قصد تاريخ ظهور المجلس البلدي، وهو ما لا أعتقده، فإن ذلك يعود الى سنة 1884، ما يعطي 138 على تأسيسه. أعرف أن ما أكتبه ليس شيئا مستحبّا، فلم يعد أحد يطيق سؤال النقد والمقترح والتقويم والفكرة والإصلاح والتجاوز…وخاصة البلدية. ألم يفكر المجلس البلدي في إحالة كل من “يتهم البلدية (باطلا) بتقديم شكوى ضده إلى القضاء” !!! وهذا طبيعي لأن الحلقة الأضعف في سياسية البلدية هي الاستراتيجية التواصلية مع المتساكنين. فخيّل إليّ حقيقة أني أقف بقصر البلدية في اللاّمكان وأعيش في اللاّزمان( 1906+125 يقابل عام 2031). أحسست حقيقة بالهلع فساكن البيت لا يعرف بيته !! وكيف لرئيس بلدية أن يسمح لنفسه أن يقدم الزمن ويؤخره ويهبه إليّ ولغيري بالمجان وأنا جامع أعمال المباني والمنارات في باب بحر على غرار منارة قصر بن رمضان لؤلؤة المدينة التي مازال رئيس البلدية لم يسمع أنينها في مكتبه الفاخر المحلّى بنافورة المياه وخريرها…. بالتأكيد الوقت للتراث عنده ليس من ذهب…لقد بدا لي كالحكام العثمانيين الذين حكموا تونس، وصفاقس طبعا، منذ القرن 16، ولكنهم بقوا غرباء عن الوطن وعن المدينة….رغم أن تربص مهندسنا المعماري كان بالمدينة العتيقة، وبالقصبة بالذات.يا مدينة يسمّونها صفاقس، وأنا أسمّيك “صفاقس روح الجغرافيا وقلب التاريخ”حديث ربما ليس للقراءة …لأنه شيء يؤلم ذاكرة المكان، وعلى كل حال: يبقى السؤال حاضرا، والاجابة طبعا مؤجلة…