
صدر أخيرا السرقة اللصوصية بالبلاد التونسية خلال الفترة الاستعمارية
أنتجت سياسـة التفقيـر الممنهجـة فئـة مهمشـة في المـدن والأرياف لهـا واقع اقتصادي واجتماعي يرزح تحت الفقـر والبطالـة والاحتياج. فقـد تحـوّل مهمشـو الأرياف إلى عمـال زراعـة وخماسـة في أراضيهـم أو غـادروا نحـو المـدن والصحـراء طلبا للـرزق. واتـّجـه مهمشـو المـدن إلى “أعمـال طـريـق”، فقـد أقصيت هـذه الفئـة مـن التقسيـم اليـومي للعمـل وصارت ممنـوعـة مـن الـرعايـة الصحيـة وغيـر قادرة على تـوفيـر قـوت يـومهـا ووصلت معاناتهـا في السنـوات العجاف إلى أكـل “الظلف المشـوي والمسلـوق” وأوراق الـزيتـون والعنب والبحث في بقايا المعمـريـن والثكنات العسكـريـة وقـد يبيتـون ليال دون أكـل.
كمـا جوبهت هذه الفئة في المدن بالإقصاء والغـربـة الاجتماعيـة ونعتـوا بـأبشـع الألفاظ، فحـاولت التـأقلـم وواقعهـا الجـديـد، فسكنت الخيام وتكـدّست في أحيـاء قصـديـريـة تفتقـر لأبسط الضـروريات الحياتيـة وأمست عـرضـة للفيضانات وبـؤرة للأمـراض وتفشي الأوبئـة، وبحثت عـن إثبات كينـونتهـا وتـأكيـد وجـودهـا، فتفاعلت مـع واقعهـا الجـديـد وأنتجت ثقافـة وخطابا فكـريا خاصا بهـا لمقارعـة ثقافـة أهـل المـدينـة. لكـن دفـع عـالـم البطالـة والجـوع والحـرمـان والعـوز، هـذه الفئـة، إلى البحث عـن حلـول للخـروج مـن الفقـر المـزمـن والتسكـع والنـوم على قارعـة الطـريـق
تحـولت هـذه الفئـة إلى إشكال أمني بتهـديـد أمـن البلاد وراحـة العباد وتحولت الأحياء التي يقطـنـونهـا وكـرا للعصابات ومـأوى للإجـرام لتصبح بعد ذلك أرقا سياسيـا بـدايـة مـن التحـركات الاحتجاجيـة وصـولا إلى المشاركـة في الحـركـة الـوطنيـة المسلحـة.