صرفُ مليارٍ ونصف على الأسطول… سؤالٌ يستحق أن يُطرَح
16 ديسمبر، 21:15
بقلم: أشرف المذيوب
من وجهة نظري — ورأي عدد كبير من التونسيين الذين تابعوا تفاصيل هذه المبادرة — يبقى السؤال الأوّل الذي يفرض نفسه اليوم:
هل كان منطقيًا أن تُصرف مليار ونصف كمصاريف حملة، بينما لم يصل إلى غزة سوى نصف مليار فقط؟
هذا ليس تشكيكًا في النوايا، ولا طعنًا في صدق من عملوا بجهد…
بل هو دفاع عن حقّ المواطن الذي تبرّع وهو يعتقد أن كل دينار يجود به قد يتحول إلى دواء لطفل يكافح للبقاء، أو إلى رغيف خبز يصل إلى أسرة محاصرة.
ولكن حين نكتشف أن ثلاثة أضعاف ما وصل إلى غزة ذهب إلى مصاريف الحملة، يصبح من الطبيعي أن نقول بكل وضوح:
هناك خلل في تقدير الأولويات… وخلل أكبر في إدارة الموارد.
- مبلغ ضخم… مقابل أثر محدود
صرف مليار ونصف — أي ميزانية مؤسسة كاملة — على حملة لم تُحقق الهدف الذي قامت من أجله، أمر يحتاج إلى وقفة صريحة.
حتى في أكثر العمليات الإنسانية تعقيدًا، تظل نسبة المصاريف التشغيلية جزءًا صغيرًا من إجمالي التبرعات.
لكن هنا، انقلبت المعادلة:
المصاريف أكبر من الفائدة. - المتبرع التونسي… ليس ممولًا فقط بل شريك في القرار
التونسي حين يقدّم دينارًا لغزة، فهو يمنح المال… ويمنح الثقة.
والثقة تفرض مسؤولية أكبر من المال نفسه.
في زمن الحرب والمجاعة، لا يمكن قبول أن تلتهم الإجراءات والتنظيمات ثلاثة أضعاف ما يصل لمن تحت القصف.
المبدأ بسيط:
الأولوية لمن يحتاج، لا لمن ينظم. - الشفافية خطوة جيدة… لكنها لا تمحو خطأ التقدير
فتح الوثائق للتدقيق قرار يُحسب للقائمين على المبادرة، ويُظهر أنهم لا يخشون المحاسبة.
لكن الشفافية — مهما كانت واضحة — لا تُبرّر سوء التصرّف.
من حق التونسي أن يسأل:
لماذا احتاج الأسطول إلى مليار ونصف؟
ما هي التفاصيل التي استهلكت كل هذا المال؟
هل كانت كل تلك المصاريف ضرورية فعلًا؟
ولماذا لم تُقترح بدائل أقل تكلفة وأكثر فاعلية؟
طرح هذه الأسئلة ليس تشكيكًا… بل واجبًا. - الأولوية كانت — ويجب أن تبقى — لغزة
الغاية لم تكن صناعة أسطول ولا عرض قوة.
كانت الغاية إنسانًا بسيطًا هناك…
طفلًا يبحث عن نقطة ماء، أو أمًا تحاول إنقاذ ما تبقّى من أسرتها.
عندما يموت الناس جوعًا، يصبح كل صرف إضافي على “الشكل” بدل “الجوهر” خطأ يستوجب المراجعة.
والأرقام هنا لا ترحم. - المستقبل يحتاج إلى مقاربة جديدة وأذكى
المطلوب ليس جلد الذات… بل تصحيح المسار:
تقليص المصاريف للحدّ الأدنى.
توجيه أقصى نسبة من التبرعات للمستفيد الحقيقي.
رقابة مسبقة قبل الصرف لا لاحقه فقط.
اعتماد أكبر على خبرة وتطوع التونسيين بدل الإنفاق الضخم على الخدمات.
ختامًا…
ما فعله التونسيون كان نُبلًا خالصًا.
لكن النبل وحده لا يكفي… إن لم يُصاحبه حسن إدارة وحكمة في الصرف.
نعم، وصل جزء من المال إلى غزة، وهذا جيد.
لكن من حقنا — ومن واجبنا — أن نطالب بأن يصل مستقبلًا أكبر قدر ممكن من كل دينار إلى من يستحقه حقًا… هناك، تحت الركام، في غزة.






