صفاقس:باب بحر من القلب النابض إلى الخراب الفائض…بقلم عبد الواحد المكني
في كل مدن تونس الشاطئية باب البحر…هو شريان المبادلات ونبض المتاجرة و أنشطة البحر من الصيد إلى المساحلة والنقل والحروب…يلهجه التونسيون “باب بحر” بدون تعريف تيسيرا للنطق.
في صفاقس كان “باب بحر “يأوي الديوان” مركز حكم المدينة “
و سلطة مراقبة الوافدين و الشقوف و السلع و “الكننرا” أمامه “الصانطة” sentinelle
وهي برج المراقبة المستمر و مكان مخصص للكرنطيلية
La Quarantaine
لعزل الموبوؤين ومراقبتهم وربض لليهود و النصارى ومقبرة
لهما مكانها حاليا محطة القطار التي لم تسلم هذا الخريف من الأذى…
امام باب البحر أو الديوان كان يجلس الصراف…صراف العملة بجميع أنواعها :لويز و كرونة و بارة و ليرة وبيزوز و ريال ودرهم….
مع الاستعمار استجدت السلطات بناء الميناء ثم التحقت به السكة الحديدية في بداية القرن العشرين ثم نواتات الصناعة التي اشتد عودها بعد الثلاثينات
في باب البحر انتصبت المدينة العصرية بمعالمها الاوروبية كنائس ومقاهي وعمارات و معاهد ومدارس و اسواق…
و ظل باب البحر قلبا نابضا للمدينة
الأطباء و المحامون المحكمة و البلدية و البوسطة و” المرشي صنترال.”…و المسرح وقاعات السينما
كان والدي يأخذني لاعالج اسناني من سوس الحلوى وأنا ابن العاشرة عند طبيب اسنان سوري لم أنس طريقة كلامه التي كانت تشبه كلام الممثل احيسان صادق بطل التلفاز مع سميرة البارودي. كانت عيادته فوق مقر حلويات العارم اليوم في تلك العمارة التي اصبح بغرد فيها الخواء اليوم إلى حد شجع الخنازير الوحشية على التدرب على هواية الركض امام السور وحديقة داكار…..تلك الحديقة الي صارت شاحبة ذائلة ومرتعا….لشجر الدفلة …تستمد بؤسها من بؤس ذلك النصب التذكاري المقابل والمنسي و الذي خلد ملحمة المقاومة في صيف1881
صارت المدينة خاوية غادرها ناسها و ذاقت انفاسها…عمارات مهجورة مقاهي مغلقة… وذاكرة محفورة
كيف يمكن تصور باب بحر بدون مقهى “الريجونس” و “العموص ” …بدون قهوة بوندان والمسرح البلدي و “السونماتر.”…ما زالت هذه المعالم صامدة لكنها تعاني من الصقيع من نقص الحنان…من الوحشة….و لئن صمدت هذه الأماكن التي لها في الذاكرة مواقع… فلئن عديد المواقع الاخرى قد شملها الغلق و لفها النسيان..
كيف يمكن تصور باب بحر بدون “الرولي” بدون “بغداد” و بدون “الكواكب”… بدون قهوة الكهف “لاقروت” بدون ماسحي الأحذية وبدون متسولين… هل أصبح مسكونة بأهل الكهف؟
حتى مطعم عبودة الذي كان رمزا من رموز باب البحر .. فقد أغلق ابوابه وقرر الهجرة الى الثنايا….
كيف للمغرمين بالكرة مثلي سينشطون ذاكرتهم بالتجوال بين صور جمعيات القسم الوطني
لسنة1968 التي كان عبودة رحمه الله ينضدها في الدكان… ويحفظها في أطر بلورية
لن نرى مستقبلا صورة عزالدين شقرون و المنجي دلهوم وعلي الجربي واحمد المغيربي وخالد حسني وعيد الجبار ماشوش والطاهر الشايبي ومحسن حباشة و عبد السلام شمام…
بقايا صور…رائحة طبيخ عذب..ومدينة تذوب على نار هادئة…”سلة سلة”
عبد الواحد المكني






