“صفاقس: أضواء في ليل التاريخ”….اشرف المذيوب

“صفاقس: أضواء في ليل التاريخ”….اشرف المذيوب

28 مارس، 22:00

صفاقس، المدينة العريقة التي تحتضن عبق التاريخ وتلملم بين جنباتها شواهد الحضارات المختلفة، تمثل نموذجًا فريدًا يجسد التفاعل العميق بين الدين والعلم والفلسفة. هي ليست مجرد مدينة جغرافية، بل هي لوحة حية لذكريات الزمن، حيث تلتقي جذور الماضي العميقة مع طموحات المستقبل، وتعيش الروح في كل حجر وشارع.
من منظور ديني، كانت صفاقس منبرًا لانتشار الإسلام في شمال إفريقيا، وهي المدينة التي شهدت تأسيس أولى المدارس القرآنية. مسجد “الجامع الكبير” الذي بني في القرن التاسع عشر يُعد من أهم الرموز الدينية في المدينة، حيث يعكس عظمة الإسلام في صفاقس وكيف شكلت هذه المدينة محطًا هامًا للعلم والدين، بفضل علماءها وأئمتها الذين حفظوا التراث الديني وكانوا منارة للإيمان والتوجيه الروحي. المدينة، التي لطالما كانت بمثابة مركز ديني في المنطقة، شهدت العديد من العلماء الذين نشروا علوم الشريعة والفكر الإسلامي، مثل “الشيخ سيدي عبد الله”، الذي كانت له بصمة كبيرة في الحياة الدينية والتعليمية.
من منظور علمي، تعتبر صفاقس نقطة تلاقي هامة بين عصور الماضي وعصور الحاضر. تعتبر المدينة مركزًا هامًا للتجارة والصناعة، حيث تميزت في مجال الصيد البحري والتجارة البحرية، مما جعلها نقطة استراتيجية بين قارات البحر الأبيض المتوسط. كما أن ميناء صفاقس، الذي يعود تاريخه لآلاف السنين، يعتبر من أقدم الموانئ في العالم، وقد ساعد في انتشار المعرفة والعلوم عبر الزمان. في العصر الحديث، تطورت صفاقس لتصبح مركزًا علميًا كبيرًا، حيث تحتضن جامعة صفاقس، التي تعد مركزًا للتعليم العالي في العديد من المجالات، مثل الطب والهندسة والعلوم الاجتماعية. هذه المدينة، التي كانت تزرع العلم في الماضي عبر مكتباتها ومدارسها، تحتضن اليوم أجيالاً جديدة من العلماء والمفكرين الذين يسعون لإضاءة دروب المستقبل.
من منظور فلسفي، يمكننا القول إن صفاقس هي مدينة الفلسفة العملية. فبين أزقتها وحواريها نجد أن فلسفة الحياة قد تجسدت في التعايش بين العقول الواعية والعمل الجاد. المدينة التي أخرجت العديد من الفلاسفة والمفكرين، مثل “ابن عبد ربه” الذي اشتهر بكتاباته الفلسفية والثقافية. صفاقس، في جوهرها، دعوة للتوازن بين الروح والجسد، بين العقل والعاطفة، وبين الماضي والمستقبل. إنها مدينة تنبض بالحياة، ترفض الركود وتستمر في البحث عن الأفق الجديد، مبتعدة عن الجمود، حاملة في طياتها رسالة علمية فلسفية تسعى إلى تكامل الإنسان مع الكون.
إن صفاقس، المدينة التي ولدت فيها، هي تجسيد حي لمزيج فريد من الدين والعلم والفلسفة. هي مدينة ترتبط بعراقتها وروحها الطيبة، وتظل رمزًا للثقافة المتجددة التي لا تعرف المستحيل. هي مدينة تجسد رسالة حضارية عميقة، مستمرة في إضاءة دروب الأجيال القادمة، وسعيها الدائم نحو السلام الداخلي والتقدم العلمي والفكري.
هنا نراها في هذه الصورة :
تحت سماءٍ مضلمة، حيث يتعانق السكون مع الليل، تضيء مدينة صفاقس كنجمةٍ تتحدى الظلام. أضواؤها تتراقص على الأسطح المبللة من العطر البعيد، وكأنها روحٌ تنبض بالحياة، تاريخٌ ينساب عبر كل زقاق وحجر. هنا، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، ينبعث صوتٌ خافت من أزقتها العتيقة، يحمل في طياته ذكرى ماضٍ عزيز وأحلامٍ مشتعلة في قلب كل من مرّ بها. كل ضوء، وكل زاوية، تنبض بالحنين والأمل، وكأنها ترسم على صفحة السماء قصة لا تنتهي، مليئة بالصمود والجمال. صفاقس، مدينة لها من السحر ما يروي عطش الروح، ويوقد في القلب شعلة من الحُب لا تنطفئ، مهما طال الزمان.

مواضيع ذات صلة