
صفاقس : البنايات المتداعية للسقوط وغياب منظومة قانونية متكاملة بقلم حافظ الهمامي
تحيلنا حادثة سقوط عقار بالمدينة العتيقة بصفاقس منذ أيام، على عديد الحوادث المماثلة في السنوات الأخيرة مثل عمارة تروكاديرو بسوسة التي لقي فيها 6 أشخاص حتفهم منهم 3 أطفال سنة 2017، وحادثة انهيار جدار سوق جارة بقابس الذي تسبب في وفاة ثمانية أشخاص وجرح خمسة آخرين، …
فماهو تعريف البنايات الآيلة للسقوط وما هو نظامها القانوني والتدخلات المستوجبة والاطراف المسؤولة ؟ وما هي صعوبات التدخل في هذه الوضعيات ؟ وبناء عليه، ألا يجب ضرورة سن منظومة تشريعية متكاملة للغرض ؟
التعريف:
تعرف البناية الآيلة للسقوط بأنها كل بناية أو منشأة كيفما كان نوعها، والتي يترتب عن انهيارها إضرار بسلامة القاطنين فيها أو مستغليها، أو الأشخاص المارين بقربها، أو إضرار بالبنايات المجاورة لها.
ولنا في تونس حسب إحصائيات وزارة الداخلية حوالي 6000 بناية تنذر بالانهيار، منها اكثر من ألف في العاصمة فقط.
الإجراءات المستوجبة:
و يستوجب التدخل في هذه الوضعيات، معاينة واتخاذ قرار ترتيبي بشأنها، طبقا للفصل 267 من مجلة الجماعات المحلية الذي يعدد التراتيب الضبطية الرامية إلى تحقيق الراحة والصحة العامة والمحافظة على إطار عيش سليم والتي تشمل بالخصوص :
كل ما يهم تسهيل المرور بالشوارع والساحات والطرقات العمومية من تنظيف وتنوير ورفع للحواجز ومنع عرض أي شيء بالنوافذ أو غيرها من أجزاء العمارات مما يخشى من سقوطه (…)
و كل ما يتعلّق بزجر مخالفات البناء والانتصاب غير القانوني وحماية العموم من مخاطر حضائر البناء والأشغال العمومية وهدم أو إصلاح البناءات المتداعية للسقوط التي يأذن بها رئيس البلدية بناء على اختبار يعده خبير تعينه المحكمة المختصة.
الإشكاليات :
غير أن مشكلة البنايات المنذرة بالانهيار تتطلب، فضلا عن اليقظة والتنبيه والمعاينة واتخاذ القرارات الفورية بالإخلاء، إجراءات سريعة بالصيانة أو الهدم وما يستتبع ذلك من اختبارات وأشغال، وإعادة إسكان مستغلي هذه المباني، وهم في أغلبهم حالات اجتماعية، أو حرفيون ضعيفو الإمكانات المادية.
ولا تخصص البلديات في الغالب اعتمادات لكل هذه الإجراءات التي تدخل في صميم مسؤولية البلدية. ويضاف إلى قلة الامكانات، الوضعية العقارية وتشتت الملكية، وامتناع أصحاب هذه المباني على تنفيذ القرارات بسبب قلة ذات اليد مما يعقد تدخلات البلديات التي تبقى أغلب قرارات الهدم التي تتخذها، غير قابلة للتنفيذ باعتبار كلفة التدخل وباعتبار أن 90 بالمائة من هذه المباني آهلة بالسكان. (اكثر من 100 قرار هدم واخلاء ببلدية تونس لم تنفذ رغم مرور اكثر من 7 سنوات على اتخاذها).
غياب منظومة تشريعية شاملة :
يذكر في هذا الشأن أن معضلة البنايات الآيلة للسقوط تتسم بغياب منظومة تشريعية شاملة تتولى معالجة هذه الظاهرة وتحديد مسؤوليات جميع المتدخلين (المالك، الشاغل، أو البلدية أو الدولة). وكان الموضوع منذ سنتين محل نقاش داخل لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية والبيئة صلب البرلمان المنحل والتي تلقت مشروع قانون أعدته وزارة التجهيز والإسكان منذ أكتوبر 2017، ولا نعرف لحد الساعة مآله.
وبمراجعة المشروع واسمه مشروع القانون المتعلق بالبنايات المتداعية للسقوط، نلاحظ انه قام على ثلاث أفكار جوهرية :
🔺 البلدية والدولة والمالك مطالبون في مواجهة البناية المتداعية للسقوط بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية.
🔺 استباق الكارثة قبل وقوعها.
🔺 الموازنة بين الحق في الحياة و أسباب العيش الكريم وحق الملكية المنصوص عليها في الدستور.
كما يهدف مشروع القانون هذا إلى :
◾ سن أحكام تتعلق بالبنايات المتداعية للسقوط وضبط الشروط والصيغ وطرق التدخل بها.
◾ ضبط الشروط والصيغ وطرق التدخل في اطار عمليات جماعية لإعادة البناء والتجديد واستصلاح الأحياء القديمة.
◾ تحديد المفاهيم: تعريف البناية المتداعية للسقوط و تعريف الترميم الثقيل.
◾ تحديد المسؤوليات ومراحل التدخل بالنسبة: للمالكين في مرحلة أولى، للبلديات في مرحلة ثانية وللدولة في اطار عمليات جماعية.
◾ تعويض الشاغلين.
◾ اعادة ايواء الشاغلين.
◾ إنجاز العمليات الجماعية لإعادة البناء والتجديد واستصلاح الأحياء القديمة.
◾ سن عقوبات لمخالفي هذا القانون للتصدي لظاهرة إهمال المالكين لعقاراتهم ولإجبارهم على تعهدها بالصيانة اللازمة.
وهي أهداف مهمة وقابلة للتنفيذ مع شيء من المراجعة.
حافظ الهمامي