صفاقس : مهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس أو “طاحونة الشيء المعتاد”.

صفاقس : مهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس أو “طاحونة الشيء المعتاد”.

15 جويلية، 18:31

بعد أسابيع قليلة تبدأ الدورة السادسة و الثلاثين لمهرجان الفنون التشكيلية بمدينة المحرس. و أظن كالعادة سنسمع يوم التدشين في 20 أوت طبال قرقنة “يرزم” و ستمر من أمام مقر المهرجان فرقة من فرق “الماجورات” و ربما تقرأ أو تسمع بالصدفة في إحدى وسائل الإعلام عبارة حط سرب من الفنانين بمدينة المحرس.. ثم يجتمع الجمهور مرة أخرى في يوم الاختتام و يسمع “كلمات ليست كالكلمات” من الشكر و الامتنان للساهرين على سير أعمال المهرجان و الفنانين و و.. لنقل إن ذلك كله من باب بروتوكلات التنظيم أو للتخفيف من الطابع الأرستقراطي للفن التشكيلي.

و لنقل إنه من الممكن أيضا إثراء الدورة بأنشطة ثقافية رافدة كالأمسيات الشعرية و الحفلات و لكن ماذا بقي بعد ذلك للفن التشكيلي من الدراسة و التحليل بالتركيز على أبرز المدارس الرومنسية و التعبيرية و التكعيبية و خاصة المدرسة التونسية التي تعود إلى الثلاثينات و الأربعينات من القرن الفائت.. لو لا تقديم أعمال Paul Clee في إحدى الدورات أو إحدى المحاضرات باللسان الفرنسي في موضوع الرسم بالصدفة بتحويل الحادث العرضي أو الاعتباطي في الرسم أم النحت إلى حدث فني. باختصار كان من المفروض بعد ثلاثة عقود من عمر المهرجان أن يتكون لدى الجمهور حد أدنى من الثقافة التشكيلية حتى و إن لم يكن من السهل كتابة نصوص نقدية قيمة في مجال الفنون التشكيلية لأنها تحتاج إلى ثقافة بصرية غير متوفرة بالقدر الكافي.
بعبارة أوضح آن الأوان أن ترسم الهيئة المديرة لنفسها خطة واضحة تعي بدرجة أكبر التحولات الكبرى في الواقع الفني و الاجتماعي و تسأل نفسها هل تغير شيء في الأعمال الفنية المنجزة على امتداد الدورات منذ أكثر من ثلاثين سنة أم هي أشبه بخيالات الفنانين يمنة و يسرة بلا ضابط و لا رِؤية. أجول في حديقة الفنانين ثم أقف وحدي مغبونا بجانب قلعة بناها أحد الفنانين العمانيين و لا أرى شيئا من تاريخ المحرس لا نموذجا من خارطة المدينة أواسط القرن التاسع عشر(انظرها في كتاب محمود عبد المولى المدرسة الحربية بباردو) و لا مجسما maquette لفسقية الأغالبة (الماجل) التي تم هدمها في غفلة من الأهالي و أثرت في النفوس أثرا أشبه بهدم سد مأرب و لا أرى في رواق العرض أثرا للمخطوطات النفيسة و المزخرفة من المصحف الشريف و المحفوظة بالجامع الكبير.. و النتيجة أنه تتوفر للمهرجان اليوم لا شك مئات من اللوحات و المنحوتات لا تعرف كيف تصنفها و تذهب مع النسيان أو يتجاهلها الناظر لأن مصادر الإلهام فيها مستوردة. و كان يمكن أن تختار الهيئة في كل مرة عنوانا و ليس شعارا ينتظم الأعمال مثل أثر ثورة 2011 على الإبداع الفني و جمالية التلقي فلا يمكن أن تزدهر مثلا موسيقى الراب من غير أن نجد مثيلا لها في فن الرسم أو النحت و إن بوتيرة أبطأ.. إن المشكلة الحقيقية هي أن هيئة المهرجان مع كامل التقدير ما زالت تتعامل مع الأنشطة بعقلية الورشة الحرة.

 عبد الفتاح خليل- المحرس.

مواضيع ذات صلة