
صفاقس 2000 أم صفاقس 1900 !؟…فتحي الهمّامي
المركب التجاري صفاقس 2000 أو كما نطلق عليه في صفاقس SFAX2000 هكذا باللسان الفرنسي ، يشغل لمن لا يعرف مكانه موقعا قرب المدينة العتيقة بجانب باب الجبلي شمالا وقبالة ذلك المفترق الدائري الفسيح الذي يحتضن نافورة مياه و”صنبة” بورقيبة العملاقة. والقاصد هذه السوق لقضاء حاجة فيها، وقد فادتني قدماي إليه اليوم، عليه ان يكون ماهرا في سباقات المشي عبر الموانع وله دراية بمختلف أنواع الحواجز للنفاذ إليه عبر واحدة من بوباته، وإلا فالمشقة مصيره. فما إن يقترب المرء من المجال الحيوي لمركب SFAX2000 تعترض مساره طاولات من كل الأشكال والأحجام، بداية من الرصيف إلى الممرات الخارجية المقنطرة للمبنى، منضودة بطريقة مشوشة تملأ المكان وواقفة لا تتزحزح تحرس حدود المبنى الخارجي بشدة وتغلق منافذه. هذه طاولة تبيع أحذية أهلكها المشي، وتلك طاولة تعرض صدريات نساء مفككة الأوصال وبكل الألوان، وأخرى نُفايات قماش ….. واذا غابت طاولة يحل محلها الفراش الممدد على الأرض الذي يستقبل فتات الثياب لبيعه، سوق “طبس” من جديد، إذ على المار القفز مرة او مرتين لتجاوزه وكأنه حاجز مائي في سباق العدو عبر الحواجز. هو مضمار ثعباني لا تشبه أرضيته شيء سوى ميدان سباق الخيل مع زيادة قاذورات تطمس معالمه، وكأن أولائك الجنود الحراس المنتصبين في الخارج لا يريدون لأحد النفاذ الى داخل السوق! هذه السوق التي انجزت بين سنتي 1986 و1987 من قبل شركة تهيئة صفاقس الجديدة ….تضم منذ انبعاثها إلى الآن نشاط بيع الثياب المستعملة، “البالة” كما نسميها هنا في صفاقس إلى جانب انشطة تجارية أخرى. وقد خصصت منذ ولادتها لتكون سوقا نظامية لتجارة “الفريب”، بزار يعرض في حوانيته هذه البضاعة بصفة منظمة عوض عن تلك الأكواخ أو “البرارك” التي كانت منحشرة حشرا في سوق “البالة” القديم الواقع غير بعيد عن الحالي. والمركب عندما ينظر إليه العابر مليا يكتشف أنه بني بصفة تتجاوب مع معمار المدينة “العربي” المحاذية في خصوصياته ورونقه بل ويتكامل معها حتى في لون طلائها وكأنه دارة من ديارها …. كما تفتق ذهن باعثوه عند تشييده على تخصيص سطح المبنى لإحتضان مأوى واسع للسيارات في بادرة تعد الأولى من نوعها وقتها في مدينة صفاقس، وعلى اختيار تسمية طريفة للمركب: SFAX2000 استقرت في لافتة أعلى المبنى استعدادا منهم لإستقبال القرن الواحد والعشرين على افضل حال…. وانا ارْتَمي في أحضان الشارع من جديد مغادرا السوق رفعت راسي ناظرا الى اللافتة اتفحصها متسائلا: هل هي SFAX 2000 ام SFAX 1900 !؟
فتحي الهمامي