
“عصا موسى تلقف ما يأفكون” هل قلبت حماس الطاولة على ترامب
4 أكتوبر، 09:00
ردّ حماس يمكن اعتباره ردًا ذكيًا ومرنًا، لأنه استطاع أن يحافظ على عدة مستويات من التوازن بين الثوابت الفلسطينية من جهة، وبين الضغط الدولي والإقليمي الهائل عليها من جهة أخرى.
دعنا نقرأ الرد من عدة زوايا:
- البعد السياسي – قلب الطاولة على ترامب ونتنياهو
كان واضحًا أن مقترح ترامب (بحسب الصياغة التي نقلتها) يريد محاصرة حماس بين خيارين صعبين: إما الرفض (فتُتَّهم برفض “السلام” وتحميلها مسؤولية استمرار الحرب)، أو القبول (فتُتهم بالتفريط بالثوابت الفلسطينية).
حماس ردت بطريقة تجعلها تستفيد من إيجابيات المبادرة (وقف الحرب، المساعدات، التبادل)، وفي الوقت ذاته ترفض الانزلاق إلى التنازلات الجوهرية، عبر ربط أي قضايا “استراتيجية” تتعلق بمستقبل غزة أو القضية الفلسطينية بالإجماع الوطني الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية.
بهذا، تحوّل الرد من كمين سياسي إلى فرصة لتثبيت نفسها لاعبًا مسؤولًا ومرنًا أمام الرأي العام العربي والدولي. - البعد الإنساني – استثمار ورقة الحرب
شددت حماس على أن الهدف الأسمى هو وقف الحرب والإبادة، وهذا خطاب إنساني يتناغم مع المزاج الدولي الرافض للمجازر في غزة.
إظهار الاستعداد للإفراج عن الأسرى مقابل وقف العدوان يعزز صورة الحركة كمنظمة تضع مصلحة المدنيين أولًا، بدل الصورة النمطية التي يحاول الإعلام الغربي إلصاقها بها. - البعد الوطني – التمسك بالثوابت
حماس أبدت مرونة في قضايا إجرائية (وقف الحرب، إدارة انتقالية مستقلة للقطاع، التبادل)، لكنها ربطت كل ما يخص السيادة والحقوق الوطنية بالقرار الفلسطيني الجماعي.
هذا مهم لأنه يحميها من اتهامات الفصائل الأخرى بأنها تتفرد بالقرار أو أنها باعت القضية.
كما أنها أكدت على رفض التهجير والاحتلال، وهو تثبيت لمبدأ “لا بديل عن البقاء في الأرض”. - البعد التكتيكي – خطاب موجه للخارج والداخل
للداخل الفلسطيني: الرسالة أن حماس لن تتفرد بمستقبل غزة، بل مستعدة لحكومة توافقية/تكنوقراط. هذا خطاب تطميني للفصائل.
للخارج (الوسطاء والولايات المتحدة): الرسالة أن حماس ليست “رافضة مطلقًا” ولا طرفًا متعنتًا، بل منفتحة على الحلول “المعقولة”.
بهذا، حماس تضع الكرة في ملعب واشنطن وتل أبيب، فإذا تعثّر التنفيذ، تظهر إسرائيل وترامب وكأنهما المسؤولان.
أرادوا نصب فخ، فإذا بالرد يبتلع الفخ ذاته ويحوّله إلى نقطة قوة.
الرد ليس رفضًا قاطعًا ولا قبولًا مستسلمًا، بل مناورة سياسية تعرّي نوايا الخصم وتكسب تعاطفًا دوليًا وشعبيًا.
الخلاصة:
رد حماس ذكي فعلًا لأنه: - كسر معادلة “الرفض = مسؤولية استمرار الحرب”.
- قدّم نفسه كحل إنساني ووطني مسؤول.
- حافظ على الثوابت وترك الملفات الحساسة للنقاش الوطني.
- نقل الضغط من حماس إلى واشنطن وتل أبيب.
يمكن القول إن الرد يمثل توازنًا استراتيجيًا بين الثبات على المبادئ والمرونة التكتيكية، وهو بالضبط ما تحتاجه حماس في هذه اللحظة الحرجة.
عبدالعزيز الحمزة