علي البقلوطي عميد الصحفيين بصفاقس…مشوار صحفي طويل ونادر
يلفّ الحزن هذه الأيّام مسارب المدينة في اتجاه مجلة “شمس الجنوب” بطريق تنيور. فقد أقعدت “جلطة دماغية” عميد الصحفيين بصفاقس، وعضو مجلس الصحافة التونسي، عن العمل، وتعطّلت “شمس الجنوب” و”لاغازيت دي سيد” في انتظار عدد حافل وغير عادي يمزج بين حنين الذكريات وامال التطلع الى المستقبل…
العميد علي البقلوطي صاحب مشوار صحفي طويل ونادر نادر، أخذته الموهبة إلى أبعد مسافة في المسارين التربوي والإعلامي. هو من مواليد 1936، “مجاله الحيوي” في فترة الطفولة كان النهج الرابط بين القصبة وباب الديوان، في المدينة التاريخية بصفاقس، في الزمن الذي كانت فيه كعنبر المسك هي وسكانها. بدأ حياته المهنية في التعليم الابتدائي من مدينة قعفور سنة 1955 أي قبل ان تتأسس معتمديتها عام 1956 والتابعة اليوم لولاية سليانة. كان هذا المعلم/الطفل-الشاب عمره 17.5 لا أكثر ! أي أصغر معلم في تونس. بداياته الأولى مع صاحبة الجلالة بدأت منذ نعومة الأظفار مع مجلة “السندباد” المصرية للأطفال لتكبر الموهبة وتنمو بمراسلة صحيفتي «العمل و»لاكسيون» في مختلف المجالات بما فيها التغطية الرياضية. ثم نحت تجربة خصبة تذكرنا بالصحفي احمد حسين المهيري الذي أسس اول صحيفة جهوية باللغة العربيةهي “العصر الجديد” سنة 1920….والمناضل محمد بكور الذي ادار من 1957 الى 1963 اول مكتب لجريدة العمل وقام باولى المراسلات من صفاقس لإذاعة تونس من هاتف مكتب الوالي محمد محسن، وكان حامد قدور مراسل جريدة الصباح عند تأسيسها في 1 فيفري 1951. كما راسلها عبد العزيز عشيش من صفاقس ثم عمل بمكاتبها بالعاصمة قبل ان ينتقل الى جريدة العمل ثم الى الإذاعة التونسية.
دار شمس الجنوب…الورشة التي تعلم منها كل الكتاب
أسس علي البقلوطي “لاغازيت دي سيد” باللسان الفرنسي سنة 1975 ثم شمس الجنوب سنة 1980 باللغة العربية، هكذا بدأت مسيرة هاتين المطبوعين منذ اكثر من 40 سنة …واعطت كل من المجلة الأولى والمجلة الثانية نبض حركة الحياة الصحفية بصفاقس وتاريخها اثر الاستقلال بعد إذاعة صفاقس التي ظهرت في 8 ديسمبر 1961، وتحتفل بيوبيلها الماسي(60 سنة) بالحساب الإنجليزي هذا العام. واليوم من يطلع على أرشيف دار شمس الجنوب يحصل على مكتبة ومركز معلومات متخصص بصفاقس والجنوب، مما يجعل العميد علي البقلوطي رمزا من رموز هذه المدينة. وقد ظلت دار شمس الجنوب تمثل مدرسة لأكثر من جيل، ومثلت الورشة الأولى التي تعلم بها كل المحررين الذين يتجاوز عددهم 300 كاتب، منهم 5 انتموا الى شمس الجنوب وبعثوا جرائدهم الخاصة أذكر التوفيق الحبيب اشهر الصحفيين وانفذهم على الساحة الوطنية، عماد الحضري، المختار الزواري، محمود الحرشاني بسيدي بوزيد، ولطفي جرير-طيب الله ثراه- بجربة . وهل يمكن ان تكون هناك تنمية جهوية دون صحافة جهوية؟
كانت رحلة العميد علي البقلوطي مفعمة بالكد والكدح، رحلة جميلة حريّة بالتقدير والاعجابـ، لأن فيها شغف كبير لا شك بالمغامرة والتحدّي. يقول عن هذه التجربة عندما كرمته المكتبة الوطنية للكتاب: “هي تجربة شاقة وشيّقة في آن واحد، حيث كانت أشبه بالسير على الأشواك والمطبّات، ولكنها كانت تصل إلى برّ الأمان في نهاية المطاف”. وعن هذا الجهد الذي لا يلين نال وسام الاستحقاق الثقافي من وزارة الشؤون الثقافية سنة 2002، أحرز على جائزة محمد محفوظ للثقافة والفكر والادب سنة 2001، اكرمه فرنسوا ميتران بوسام الاستحقاق الثقافي الفرنسي في 15 ماي 1991 وتحول سفير فرنسا بتونس، وكرّمه على هامش الأيام التونسية الفرنسية. وقبل ذلك منحه الزعيم الحبيب بورقيبة وسام الجمهورية عام 1977… وفي هذا السياق انتظم يوم الجمعة 8 نوفمبر 2019 لقاء حول الصحافة الجهوية بالمكتبة الوطنية، تم خلاله تكريم مؤسس صحيفة «شمس الجنوب» علي البقلوطي لمثابرته طيلة عقود على رصد نبض الجهة وإعلاء راية إعلام القرب.
إن تجربة علي البقلوطي في شمس الجنوب تستحق القراءة النافذة المقارنة، لأنها العنوان البارز واحيانا الوحيد الذي قاوم تحديات التهميش والمنافسة الخطرة، وقد صدرت عن طلبة معهد الصحافة وعلوم الاخبار بعض الرسالات البحثية. أما الذي طرأ على هذا المشهد الإعلامي /الثقافي ان الناس أصبحت اليوم تقرأ الصور، وتتفرج عن المكتوب.
التواضع …رفيقه
اما بخصوص علي البقلوطي الانسان، الذي اعرفه منذ بداية حياتي المهنية، وكما يعرفه اصدقاؤه، فهو انسان باسم هادئ بالغ اللطف والودّ ومرحّبا بكل ضيوفه في مكتبه المفتوح دائما. كان صديق الجميع ولا اعرف له خصومة مع أحد، رافقه سلوك التواضع دائما. حياته مفعمة بالكد والكدح الى ان توقف فجأة. ورث من انترولوجيا الصفاقسي الشعلة المتقدة للحركة والنشاط الدائم.
انه باختصار انسان كبير يعطيك من لسانه ….حلاوة كما يقال. فتحية الى من استحثني على تسطير هذه الكلمات د.علي الزواري الأستاذ عبد السلام القلال والمربي عبد المجيد الحاج قاسم وغيرهم. الكل منشغل عليه، والجميع يذكرونه بالخير أخلاقا وسيرة.
رضا القلال