
عملية الوعد الصادق 3 تفتح أملا جديدا للقضية الفلسطينية …ياسين فرحاتي
تتعرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ فجر يوم الجمعة الماضي، إلى حرب غادرة و ماكرة كان فيها الكيان الصهيوني المبادر و المباغت بعد عملية تضليل إعلامي كبير و ألاعيب ديبلوماسية خطيرة نسقت فيها بشكل سري و شيطاني لا جدال فيه مع ” الشيطان الأكبر ” الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول و لقي دعما سياسيا من الغرب و الأغرب منهم طبعا بعض الدول العربية الخليجية المطبعة مع الكيان.
إيران صدمت من هول الضربة الأولى و التي كان وقعها شديدا و الحرب خدعة كما يقال، فقد أسفرت عن استشهاد كبار القيادات من الحرس الثوري و فيلق القدس و القوات العسكرية الجوية و نخبة النخبة من العلماء المشرفين على تطوير البرنامج النووي و ارتقى ستة منهم شهداء و إن كان هذا المصاب الجلل من علماء الذرة للموساد يد جلية فيه منذ سنوات حيث تبين بما لا يدع مجالا للشك أن أطرافا عديدة متداخلة و متسببة في كل ما جرى من اختراقات أمنية و معلوماتية كبيرة منذ سنوات هذا إلى جانب عملاء الداخل و المآمرة تؤكدها مجريات الأحداث المؤلمة و الفاجعة التي حلت بالنظام الإيراني و شعبه الملتف حوله رغم كل ما قيل و يقال و رغما عن أنف نتانياهو المجرم الذي ما انفك يحرض على الفتنة الداخلية و ذلك مصداقا لما ورد في كتابه العزيز ” كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ” و قوله تعالى أيضا ” و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين “.
إيران تدفع الثمن منذ سنوات و خلال هذه الأيام، أولا بسسب دعمها الفياض و السيال رغم بعد المسافة عن فلسطين لحركات المقاومة و على رأسها حماس و الجهاد و ثانيا بسبب مشروعها العلمي و التكنولوجي النووي المشروع، حيث وجه العدو الإسرائيلي ضربات قاسمة ضد مفاعل نطانز الذي تضرر بشكل كبير دون ان يعني ذلك توقفه النهائي عن العمل و كذلك أبو شهر و العديد المنشآت الحيوية و الإستراتيجية للقيادة و السيطرة بهدف شل حركته و تثبيط معنوياته و جعله عاجلا عن ردة الفعل و لكنه جوبه بعزيمة فولاذية فسرعان ما لملم النظام بمختلف مكوناته جراحه و استعاد أنفاسه و أمطر العدو بأكثر من 150 صاروخا باليستيا ذوات قوة تدميرية هائلة و مسيرات انقضاضية مما أدخله في حالة من الرعب و اللايقين و بات في ظلام دامس يوم امس و ليلة السبت أيضا، قصفت حيفا و تل أبيب و بعدة أنواع من الصواريخ من طراز عماد و خيبر و شهاب 4 وصلت إلى مدايات بعيدة في الشمال و الجنوب و متزامنة من إيران و اليمن و قد كانت خسائر الجمعة و السبت الماضيين و حتى اليوم الأحد توثقها عدسات الكاميرا من بنايات عملاقة مهدمة و قتلى و جرحى بالعشرات تحت الأنقاض و ملايين فروا كالفئران إلى جحورهم في الملاجئ و تحت الأنفاق. كانت هذه جردة أولى على الحساب لليوم الأول من الانتقام الفارسي. المرشد الأعلى علي خامنئي وعد و أوفى بوعده من أن ” الرد سيكون قاس ” و كان له ما أراد مما شفى غليل قلوب الملايين من العرب و المسلمين. و أيضا توعد مسؤول أمني في تصريح إعلامي أن الرد سيتواصل بقوة و أن المفاوضات غير المباشرة مع الو.م.أ. قد تكون بحسب الشروط التي تليق و ترضي طموحاتهم.
من جهة أخرى عين المرشد الأعلى قيادات جديدة للحرس الثوري و لهيئة الأركان و لمقر خاتم الأنبياء في دليل قاطع على تعافي و تجاوز النظام لأزمته الطارئة.
الحرب مفتوحة على عديد السيناريوهات و كل لحظة قد تأتي بالجديد و ما على إيران و أذرعها و وكلاؤها إلا أن يقفوا صفا واحدا لإيقاف هذا المارد الهمجي و المتوحش الصهيوني : لأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تجعل من إسرائيل المتحكم في مصير الشرق الأوسط وهو ما صرح به رئيس وزراء العدو الذي يبدو أقوى من منافسين في الداخل و يتلاعب بهم و لا يفكر إلا في مستقبله السياسي من خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة و نحن نقترب من السنتين رغم ضربات المقاومة التى تأبى إلا أن تلقن جنوده الدرس تلو الدرس في كل يوم بعزم الرجال المجاهدين المؤمنين و الصابرين خصوصا في خان يونس و باقي مواقع القتال حيث قنص الجنود و الكمائن.
و مما كشفته هذه العمليات الحربية بين الجانبين أحقية و عقلانية و كذلك النظرة الاستشرافية لمن دافعوا عن الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني رحمه الله و رأوا فيها بارقة أمل للأمة الإسلامية برغم عديد الزلات و الأخطاء ضد العرب السنة و سبحان من لا يخطئ و هنا أقصد و كما يقول كثيرون حربها مع العراق في الثمانينات و ليتهما كانا جارين مثاليين متحابين لوجه الله و تحت راية الإسلام ثما موقفها من احتلال العراق في سنة 2003، ثم اتهامات لها بدور غير إيجابي في سوريا و لو أن الأمر قد يكون لربما مختلفا لو بقي نظام بشار الذي رأت فيها خسارة كبرى لحليف استراتيجي و لو رمزيا ليس إلا.
من الكتاب و المفكرين و السياسيين التونسيين و العرب الذين أعطوا لآية الله حقه الأستاذ راشد الغنوشي حيث أفرد فصلا كاملا له في كتابه “مقالات ” الجزء الأول ص 77 الصادر سنة 1988، تحت عنوان :” الثورة الإسلامية ثورة إسلامية – مواقف من الثورة ” ، حيث يعتبر أن الحركة الإسلامية في إيران و أن كانت قاعدتها شيعية فإنها تصب في التيار العالمي للبعض الإسلامي، مستهدفة ايقاظ الأمة الإسلامية بكاملها و وضعها في القيادة الحضارية للعالم. و قد أكد الأستاذ مهدي الحسيني في محاضرة له بمناسبة قدوم شهر محرم 1399، تولى توزيعها الشباب الإسلامي الإيراني في باريس أنها امتداد لثورة الحسين على الطغيان و ثورة الإمام البنا في مصر و ثورة المودودي في باكستان و الثورة الإسلامية في تركيا و في أفغانستان.
إن ثورة إيران هي ثورة الإسلام ضد الاستبداد و القهر و التوعية و الاستغلال . إنها ثورة المستضعفين ضد الطغيان السياسي و الاستغلال الاقتصادي و في هذا تصديقها لقوله تعالى ” و نريد أن نمن على اللذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلها الوارثين “.
لقد كان الغرب معاديا و صريحا في مواقفه من الثورة في إيران التي رفعت أخطر شعاراتها ” الحكومة الإسلامية ” و ذلكوخوفا على مصالحه الاقتصادية و الدفاعية و هي اليوم تريد أن تفرض نمط العولمة.
و لا زالت على نفس تلك المواقف منذ ذلك العهد و إلى حد الساعة. أما روسيا و الصين فكانا بالمثل يخشيان من تأثير حكومة إسلامية في إيران على أكثر من مائة مليون مسلم كانوا يعيشون في ظل الإرهاب الشيوعي فيهما.
لكن موقفهما تغير على المستوى السياسي و الاقتصادي بعد سنوات من سقوط نظام صدام حسين و تأسيس الإتحاد الروسي خليفة الاتحاد السوفياتي الذي انهار في بداية التسعينات، دون أن يكون معاديا تماما لإسرائيل و ذلك تماشيا أيضا مع مصالحهما الاقتصادية و الظروف الحالية الجيوسياسية صعبة و معقدة كثيرا فروسية في حرب منذ 3 سنوات مع أوكرانيا و الغرب و الصين في حرب تجارية مفتوحة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
أغلب دول الخليج و العربية معادية للنظام الإيراني و تخشى مما يسمى ” الهلال الشيعي “. كذبا و افتراء و زورا و بهتانا و هي في الأصل منبطحة و مرتمية في أحضان الصهيونية و الامبريالية الغربية. أما المناصرون لها فيشترطون تجريدها من طابعها الإسلامي و اضفاء الصبغة الاشتراكية عليها كما فعلت بعض الأنظمة المجاورة لها.
لقد كان موقف الثورة الإسلامية منحازا للقضية الفلسطينية حيث يقول أحمد ابن الخميني :” أن إيران ستواصل الكفاح الثوري حتى تحرير البلدان الإسلامية و ترفع العلم الفلسطينيي إلى جانب علمنا “. و هو ما يصرح به قادة إيران اليوم و الآن و تعترف به حماس و سكان القطاع.
و إن ما يؤرق علماء الاجتماع الغربيين أن العالم في ذهن المسلم لا يزال ينقسم إلى دار اسلام و دار حرب.
و في بيان أصدره محمد المهدي الشيرازي ورد :” إن الثورة الإسلامية في إيران عامة و متجاوزة للفروق الذهبية كافة ” ( 1 ).
يقول الخميني محرضا الدول الإسلامية في حرب رمضان على تعبئة كل القوى ضد الصهاينة ” أن واجب جميع الدول الإسلامية و خاصة الحكومات العربية و بعد الاتكال على الله و قدرته الازلية تعبئة جميع طاقاتها ( 2 ).
و يرى الأستاذ راشد زعيم حركة النهضة أن الخميني و البنا و المودودي ثلاثتهم يشكلون قادة الحركة الإسلامية المعاصرة و هم مجددون مصداقا لقول النبي صلى الله عليه و سلم :” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” ( 3 ) ( أبو داود عن أبي هريرة ).
هذه المواجهة المسلحة بين إيران و إسرائيل كشفت بعمق أن لا مهادنة و لا مجاملة و لا ديبلوماسية حتى في الحد الأدنى بينهما كما لا يوجد أي اتفاق سري من اي نوع بينهما و أن كل التحاليل حتى من كبار الكتاب و الخبراء و المنظرين تمحي أو امحت بمجرد بمجرد استشهاد هذا الكم من القادة و العلماء و المدنيين الإيرانيين و استعمال أسلحة فتاكة بينهما. فلطالما كرر على مسامعنا هؤلاء أسطوانة تقاسم الأدوار بينهما على حساب العرب بينما في الواقع العدو الصهيوني يريد و يسعى لبسط نفوذه على كل المنطقة مهما كلفه ذلك. فالحرب انطلقت من غزة و انتقلت إلى لبنان و سوريا و اليمن و الآن إيران. فمن نصدق الوقائع أم الفرضيات و الأوهام و التصورات ؟! .
الحقيقة، أن إيران و أذرعها تخوض حربا مع غزة ضد إسرائيل و نحن متعاطفون جدا معها مهما اختلفنا معها في بعض الجزيئات أو التفاصيل ما دام العدو واحد و يشكل خطرا حقيقيا و في كل لحظة ضد كل العرب و المسلمين فإيران جارة لنا وليست عدوا و علينا أن نعيد ترتيب الأولويات و أن لا نترك الفرص تضيع منا الواحدة تلو الأخرى مثلما ضاع العراق من قبل بسبب تآمر أبناء جلدته و أن نتذكر بعض ما قاله العقيد القذافي عن أطماع و أحلام الصهاينة في المنطقة العربية فإسرائيل لا زالت تعول على الو.م.أ. في هذه المواجهة المفتوحة من أجل لجم قدرات إيران الصاروخية التي طالت مرافق حيوية على غرار معهد وايزمان للأبحاث العلمية في الكيمياء و القائمة قد تشمل العمق الإسرائيلي بحسب تطورات الحرب التي يخشى ان تتسع رقعتها و هو ما لا تريده الو.م.أ. بحسب خبراء عسكريين و استراتيجيين لأن إسرائيل تبحث عن الفوضى و هي من تعودت أن تخوض حربا بالوكالة لصالح الو.م.أ.
( 1 ) دروس في الجهاد و الرفض ص 181.
( 2 ) مجلة الاخبار العدد 12 السنة 3.
( 3 ) قال المحدث اسماعيل العجلوني أنه يعم حملة العلم من كل طائفة.