فقراء ولكنّهم سعداء… مصدّق الشريف
كانت تلك الأصوات يقظة في ذاكرته ولا تزال. يعرف مصدرها. يجدّد الحنين معها. يطيب له أن يستدعيها إلى مسمعه مرارا وتكرارا. هي عنده أعذب من أيّ لحن موسيقيّ. من خلالها تعود الأيام الجميلة. كان العيش على شظفه حلوا فلا يضجّ النّاس ولا يثورون. يذكر جيّدا أنّ الشمس كانت تميل في سرعة للمغيب، فيهجم اللّيل مسرعا. كان حانوت الحومة يعجّ بالحرفاء، أفواج تدخل وأخرى تخرج.. كنت لا تسمع إلاّ “عشورية زيت”، “رطل بياض”، “مائة ڨرام كربيل”، “ثلث ومائة”، “خبيزة”، “مائة ڨرام هريسة”، “مائة ڨرام طماطم صغيرة”، “حكة سردينة”،
“خمسين ڨرام بُنّ”، “مائة ڨرام شامية”، “رطل كنتيشي”، “نصف رطل بسيسة”، “مائة ڨرام فلفل أحمر”، “خمسين ڨرام فلفل أكحل”، “خمسين ڨرام كمون”، “أربعة سواڨر أرتي”، “سبعة سواڨر بوستة”، “قرطاس نفّة”. كان الحرفاء يحثّون صاحب الدّكان على الإسراع بقضاء حاجاتهم. وكانت أصوات النّساء تعلو فوق كل الأصوات: “سڨّدني عشايا نيْ”. كانوا يتجمهرون في الحانوت في الوقت نفسه. يأتون من حظائر العمل وهم في سباق مع أذان المغرب وقد أخذوا أجورهم. جميعهم “خدّامة حزام”. كانوا فقراء يكدّون وينفقون ليواصلوا السّير في الحياة. كانوا سعداء..
مصدّق الشريف