في حرب غزة: الذكاء الاصطناعي في خدمة الجيش الإسرائيلي…لبنى حمودة
لم يكن يوما تاريخ البشرية تاريخ أمن وسلام بل بالعكس فأول نزاع على وجه الأرض كان بين قابيل وهابيل, وأول حرب تزامنت مع ظهور الزراعة في نهاية العصر الحجري على حدود مصر والسودان, أي منذ 12 ألف سنة, وبين أول حرب وحتى حرب روسيا وأوكرانيا, تاريخ حافل بالحروب الطاحنة والفظاعات والمجازر… لكن منذ العدوان الإسرائيلي على غزة والتاريخ الحديث يشهد أبشع حرب عرفتها البشرية, الحرب الأكثر شراسة ودموية, حرب غابت فيها القوانين والأعراف الدولية وانهزم فيها القانون الإنساني الدولي أمام “فيتو” الولايات المتحدة الأمريكية.
أهل غزة وأصحاب الأخدود
منذ السابع من أكتوبر الماضي والتاريخ الحديث يوثق, والعالم يشهد أكبر إبادة جماعية, تشير آخر إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى أكثر من 34 ألف و560 شهيد وأكثرمن 77 ألف و764 مصاب, مجازر وقتل عشوائي, وأنهارا من الدماء وقيادات جيش تجاوزت الخطوط الحمراء, وجنود تجاوزوا بدورهم حتى أوامر قادتهم فاستسهلوا القتل وابتدعوا طرقا لا يأتيها إلا شيطان… مشاهد قتل فاقت كل تصور و احتمال, آخر الجرائم ما وقع اكتشافه إثرانسحاب آليات الجيش الإسرائيلي من الشمال وبالتحديد من مستشفى الشفاء ومن خان يونس, انسحب الجيش وترك وراءه 20 ألف شهيد تحت الأنقاض, 10 آلاف بالشمال و8آلاف بخان يونس حسب إحصائيات الدفاع المدني آنذاك, مشاهد الدمار الذي شاهدناه إثر انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من مستشفى الشفاء أعادتنا لقصة من قصص القرآن الكريم, قصة أصحاب الأخدود, حينما قام ملك نجران الظالم بحفر أخاديد ثم أضرم فيها النار وألقى فيها كل من آمن بالدين الجديد, هذا ما فعلته إسرائيل بالضبط وكأنها جسدت ومثلت جريمة ملك نجران في تفاصيلها المروعة…حفرت الأخاديد وألقت فيها جثث المدنيين العزل المتفحمة, مستشفى الشفاء ذاك الصرح الطبي أكبر مؤسسة طبية في القطاع كان ملاذا للمرضى والجرحى ثم اختفى من على الخريطة, 12 يوما عربد الجيش في المستشفى فأحرق ودمر وخسف… مقابر جماعية ومشاهد يندى لها جبين الإنسانية, مرضى دفنوا بملفاتهم الطبية, أين القانون الدولي؟ أين أخلاقيات الحروب؟ أين المواثيق الدولية وحرمة المريض وحتى الميت؟ للموت جلالة وللميت كرامة في كل الحروب إلا في حرب إسرائيل على غزة فلا حرمة, ولا كرامة, ولا جلالة, ترسانة رهيبة قوامها آلاف الجنود وأعتي الكتائب وآلاف الأطنان من البارود يصب صبا على أصغر مكان بالعالم وأكثر مكان مكتظ بالسكان, ترسانة بنك أهدافها شيخ, طفل , امرأة,ترسانة بنك أهدافها مستشفى, مدرسة,كنيسة, جامع,بيوت مأهولة, ترسانة بنك أهدافها إسعاف, أبناء عشائر, سيارات تابعة لمنظمات إغاثية دولية, ترسانة بنك أهدافها صحفيين, ترسانة بنك أهدافها مخازن إعانات دولية, حرب شعارها الأوحد غزة أثر بعد عين.
غزة حقل تجارب للذكاء الاصطناعي
أبدى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتوريتش قلقه حيال معلومات تفيد بأن الجيش الإسرائيلي في حربه على غزة استعمل الذكاء الاصطناعي في تحديد أهدافه, مما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا, وحسب صحيفة الغارديان البريطانية فإن إسرائيل استخدمت “لافندر” وهو نظام الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على قاعدة بيانات سكان غزة مدعومة من الذكاء الاصطناعي, يتم بواسطته طرح احتمال انتماء أشخاص بذاتهم لعناصر المقاومة, البرنامج يعتمد تقنية التشابه مع أنماط معروفة للمقاتلين ونسبة الخطأ فيه حوالي 10 بالمائة وكما جاء في تقرير لمجلة 972 الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي لم يعتمد الدقة في فحص اقتراحات الذكاء الاصطناعي بشأن القصف, خاصة والمدة الزمنية لفحص كل هدف لا تتجاوز ال20 ثانية. حرب غابت فيها القيم الإنسانية والأخلاقية فكل ما يمر أمامنا من مشاهد مروعة للقتل لا يقبلها عقل ولا يتحملها قلب وقع تنفيذها عن طريق تقنية ” الشبهة والاحتمال”. جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن الجيش الإسرائيلي يستخدم برنامج “التعرف على الوجه”, وجاء في التقرير كمثال مصعب أبو توهة مواطنا من غزة كان يمشي وسط حشد من الناس عبر نقطة تفتيش عسكرية, وإذا به يتعرض للاعتقال يقول مصعب أنه لم يفهم كيف تعرفوا إلى اسمه القانوني الكامل ونادوه به قبل أن يقف أمامهم, مؤكدا ألا علاقة له بالمقاومة وأنه كان بصدد مغادرة غزة إلى مصر, وجاء في تقرير الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي أقر أنه في البداية استخدم تكنولوجيا التعرف على الوجه للبحث عن الأسرى لكن وقع بعد ذلك استخدامها للبحث عن عناصر المقاومة, كما ذكر أحد الضباط لصحيفة نيويورك تايمز أنه في بعض الأحيان تصنف تلك التقنية بشكل خاطىء المدنيين على أنهم من مقاتلي المقاومة, ويقول رئيس شركة ستارت آب نيشن سنترال آفي هاسون لوكالة فرانس برس أن الحرب في غزة تتيح فرصا لاختبار التقنيات الجديدة في مجال التكنولوجيا وأضاف أنه في ميدان المعركة والمستشفيات ثمة تقنيات وقع توظيفها في الحرب على غزة لم يتم استخدامها من قبل.
في انتظار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيل
في تصريح لنتنياهو بخصوص تسريبات تؤكد على أن المدعي العام بالمحكمة الجنائية كريم خان يوشك على إصدار أوامر باعتقاله ووزير الدفاع يوآف غالانت, ورئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي,حيث اعتبر أن التهديد بتوقيف عسكريين ومسؤولين في الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم على حد زعمه سيشكل سابقة خطيرة في تاريخ إسرائيل, وأنه لن يسمح بتقويض حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها, كما ذكرت وكالة رويترز أن مدعين من المحكمة الجنائية الدولية أجروا مقابلات مع مسعفين يعملون في أكبر مستشفيين في غزة بخصوص جرائم الاحتلال, وفي الأثناء يسعى أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب على عرقلة صدور مذكرة الاعتقال بحق قادة إسرائيل ويخططون لاتخاذ إجراءات ضد المحكمة, كما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تؤيد تحقيق المحكمة,وحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي فإن بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس الأمريكي جو بيدن خلال محادثة هاتفية مساعدته في منع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات التوقيف بحقه وبحق وزير الدفاع يواف غالانت ورئيس الأركان بالجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي.
أمام توسع دائرة الحرب في غزة ومضي إسرائيل قدما في اجتياح رفح على الرغم من التحذيرات الدولية, وأمام الإخفاق المتواصل للحراك الدبلوماسي وأمام فقدان المجتمع الدولي لثقته في المنظمات الدولية, وأمام عجز الدول المطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة في اقتلاع قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع يدين إسرائيل ويوقف شلالات الدماء في القطاع, تصاعدت وتيرة الاحتجاجات وتوسعت في أغلب دول العالم وانتشرت في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية, وهذا وإن دل على شيء فإنه يدل على تماسك الجنس البشري, فالإنسان أيا كان انتماءه أو ديانته أو عرقه فإنه قادر على الانتصار لإنسانيته, ونصرة أخيه الإنسان والذود عنه, و قادر على قلب المعادلة لو أصر, وقادر على الضغط لو ثبت, وقادر على الوقوف في وجه الظلم أيا كان مصدره لو آمن بقدراته ولم يبرح ولم يستسلم حتى يبلغ.
لبنى حمودة