في ذكرى تأسيس العلم يوم 20 أكتوبر

في ذكرى تأسيس العلم يوم 20 أكتوبر

19 أكتوبر، 18:00


يُعَدُّ الاحتفالُ بتأسيسِ العَلَمِ التونسيِّ من أبرزِ المحطّاتِ الرمزيّةِ في الوجدانِ الوطنيّ، لما يحملهُ من دلالاتٍ عميقةٍ تتجاوزُ البُعدَ الشكليَّ إلى جوهرِ الهُويّةِ والسيادةِ والانتماءِ. فالعلَمُ ليس مجرّد راية تُرفَعُ في المناسبات، وإنّما هو رمز للذاكرةِ الجماعيّةِ ومعبّرٌ عن إرادةِ الشعبِ في الحياةِ الحرّةِ الكريمة. ومن ثَمّ، فإنّ إحياءَ ذكرى تأسيسهِ يُمثِّلُ تجديدًا للعهدِ مع القيمِ التي قامت عليها الدولةُ التونسيّةُ الحديثة، واستحضارًا لمسيرةِ النضالِ التي خاضها التونسيون دفاعًا عن استقلالهم وهُويّتهم.
تنبعُ أهميّةُ هذا الاحتفالِ أوّلًا من كونه رمزًا للسيادةِ والوحدةِ الوطنيّة؛ إذ يجتمعُ التونسيون على اختلافِ مشاربِهم السياسيةِ والفكريةِ تحتَ رايةٍ واحدةٍ تُجسِّدُ وحدةَ الوطنِ وتعبّرُ عن إرادةِ العيشِ المشتركِ في إطارٍ من الاحترامِ والولاءِ للجمهورية. كما يُذكّرُ هذا اليومُ بأنّ الدولةَ لا تُقامُ إلا على رموزٍ جامعةٍ تلتفُّ حولَها الأجيالُ وتحملُها في وجدانِها كعنوانٍ للكرامةِ والاستقلال.
وثانيًا، يُعَدُّ الاحتفالُ مناسبةً لإحياءِ الذاكرةِ الوطنية واستحضارِ التضحياتِ الجسيمةِ التي قدّمها الآباءُ والأجدادُ في سبيلِ أن يبقى هذا العَلَمُ خفّاقًا فوقَ ربوعِ الوطن. فالوقوفُ أمامَ الرايةِ الوطنيّةِ هو في جوهرهِ وقوفٌ أمامَ التاريخِ ذاته، تاريخِ شعبٍ آمنَ بحقِّه في الحرّيّةِ والسيادةِ، وبذلَ الغاليَ والنفيسَ ليثبّتَ مكانتهُ بين الأمم.
وثالثًا، يكتسي هذا اليومُ بُعدًا تربويًّا وتعليميًّا بالغَ الأهميّة؛ إذ تُقامُ في المدارسِ والجامعاتِ والمؤسّساتِ العامّةِ طقوسُ رفعِ العَلَمِ وترديدُ النشيدِ الوطنيّ، بما يرسّخُ في نفوسِ الناشئةِ قيمَ المواطنةِ والمسؤوليةِ والانتماءِ. إنّها لحظةٌ تربويّةٌ بامتياز، تُعيدُ تعريفَ العلاقةِ بين الفردِ والوطنِ في ضوءِ ما يمثّلهُ العَلَمُ من معانٍ ساميةٍ في الإخلاصِ والتضحيةِ.
ورابعًا، يعبّرُ الاحتفالُ بتأسيسِ العَلَمِ عن الاستمراريّةِ التاريخيّة للدولةِ التونسيّة، التي وإنْ مرّت بمراحلَ متعدّدةٍ من التحوّلِ السياسيّ، فإنّها ظلّت محافظةً على رموزِها الوطنيةِ باعتبارِها ركائزَ ثابتةً لهُويّةٍ حضاريّةٍ عريقةٍ تمتدُّ جذورُها إلى أعماقِ التاريخ. ومن خلالِ هذا الاحتفال، تُجدّدُ الدولةُ التونسيةُ التزامَها بمبادئِها الوطنيّةِ وبقيمِ السيادةِ والاستقلالِ التي عبّر عنها العَلَمُ منذُ نشأتِه الأولى.
وأخيرًا، يضفي هذا الحدثُ بُعدًا اجتماعيًّا وجماعيًّا يعبّرُ عن وحدةِ الشعورِ الوطنيّ وتلاحمِ المواطنينَ في الداخلِ والخارجِ. فالعلَمُ يُشكّلُ جسرًا وجدانيًّا يربطُ أبناءَ الوطنِ أينما وُجدوا، ويُذكّرُهم بأنّهم ينتمونَ إلى أرضٍ واحدةٍ وتاريخٍ مشتركٍ ومستقبلٍ موحّدٍ.
إنّ الاحتفالَ بتأسيسِ العَلَمِ التونسيّ ليس مجرّد مناسبةٍ بروتوكوليّةٍ أو احتفالٍ شكليٍّ، بل هو فعلُ وعيٍ ووفاءٍ، يُعيدُ من خلالهِ التونسيونَ اكتشافَ ذواتِهم الجماعيّةِ وتأكيدَ انتمائِهم لهُويّتهم الأصيلة. إنّه تجديدٌ دائمٌ للعهدِ على حمايةِ الوطنِ وصونِ رموزه، وإشعارٌ للأجيالِ القادمةِ بأنّ هذه الرايةَ التي تُرفَعُ عاليًا، إنّما رُفِعَتْ بتضحياتٍ ودماءٍ، وبإيمانٍ راسخٍ بأنّ تونسَ ستظلُّ حُرّةً مستقلّةً ما دامَ هذا العَلَمُ نابضًا في سمائها.

بقلم الدكتور النوري الشعري

مواضيع ذات صلة