
“في مقهى مكتظّ، جلستُ واقفاً”….اشرف المذيوب
هكذا بدأت الحكاية، لا مكان شاغر في مقهى الحي، الكراسي محتلة، الطاولات متخمة بأكواب القهوة والدخان والكلام… ولكن العيون؟ كلها مشدودة إلى شاشة تلفاز يتوسط الجدار كأنه عرشٌ لصنم حديث.
كان الصمت مطبقاً تارة، يقطعه همسُ الترقب، ثم ينفجر المكان بصيحاتٍ مدوّية إثر فرصة ضائعة أو هدف محقق. كانوا يهتفون… للريال، لأرسنال، لأسماء لا تمت لهم بصلة، لأقدامٍ لا تعرف شيئاً عن شوارعهم، عن وجوههم، عن جراحهم.
فوق تلك الجلبة، شعرت بوحشة. لم تكن وحشة الزحام، بل وحشة الغريب في وطنه. سكنتني غصة، لا لأن الفريق الذي يهتفون له ليس وطني، بل لأن وطني لا يملك فريقاً يُهتف له!
أين نحن من هذه اللعبة؟
تسللت إلى داخلي مرارة… مرارة من واقعٍ اختار أن يكون متفرجاً، هامشياً، هائماً على أعتاب مجد الآخرين. شبابنا يحفظ أسماء اللاعبين الأجانب أكثر من حفظه لأسماء مدن بلاده. يحلمون بقميص ريال مدريد، لا بقميص منتخب وطنهم. يقتنون أحذية اللاعبين الأوروبيين، ولكن ملاعبهم مهجورة، مفروشة بالغبار، وقلوبهم مزروعة بالخذلان.
لقد صرنا مشجعين ممتازين، ولكن فاشلين في إنتاج ما نشجّعه. نعيش على هامش البطولات، ونتغذى على فُتات المجد المستورد.
أي حضيض بلغته كرتنا؟
الجواب ليس فقط في ضعف الأداء وسوء التسيير، بل في عمق الخذلان النفسي. نحن شعوب تُحبط ثم تُلهى. تُسرق منها الأحلام، فتُعطى بدلها مبارياتٌ على الهواء مباشرة. ننتشي بانتصارات الغير، وكأنها تعويضٌ عن فشلٍ لم نعد قادرين على مواجهته.
لكن من قال إن كرة القدم مجرّد لعبة؟
إنها مرآة. وما نراه في مرآتنا مشوه. فيها نرى فوضانا، عجزنا، واستسلامنا لواقعٍ بتنا نقبله لأننا فقدنا الأمل في تغييره.
أليس من حقّنا أن نهتف لأنفسنا؟ أن نبكي من أجل خسارتنا، لا خسارة الغير؟ أن نحلم بلاعبين يحملون علمنا، لا أعلام الغير؟
لكن الواقع يقول غير ذلك، لأننا شعوب تعلّمت أن تفرح بإنجازات الآخرين، لا أن تصنعها.