في نقاش ثريّ وبنّاء : المفكّر يوسف الصّدّيق ينصح المسلمين بنبذ التّعصّب… سامي النيفر
على غير العادة، كانت سهرة الهادي زعيّم بنّاءة خاصّة عندما ضيّف المفكّر التّونسي يوسف الصّدّيق الذي تحدّث معه حول عدم إرهاب الأطفال وتخويفهم من جهنّم والجحيم والسّلاسل وعذاب القبر…
الأهمّ في حديث المفكّر أنّ المسلمين اليوم اهتمّوا فقط بظاهر الأشياء فتحدّثوا عن الوضوء والصّلاة والحجّ ونسوا أنّ الإنسان روح طيّبة طاهرة وأخلاق فاضلة وحسن معاملة وقد يغفر الله ما بينه وبين العبد ولا يتجاوز عما بين العبد والعبد إلا أن يعفو المظلوم ويرضى. أجاب الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة : “تقوى الله وحسن الخلق” (التّرمذي)…
المخيف في هذا كلّه هو كمّيّة الحقد والتّعصّب والشّتيمة التي لا تأتي إلا من ضعيف الحجّة… كلّما أراد إنسان -ولا يعلم ما في قلبه إلا الله- أن يدعو إلى التّسامح أو يناقش قوانين وضعها شيوخ ولم يضعها الله جُوبِهَ بوابل من القذف والسّبّ والتنابز بالألقاب بل حتى تكفير ودعوة إلى القتل بينما الله وحده يعلم المفسد من المصلح وهو الخبير بالنيّات والعليم بمن يريد الخير… فلماذا ينصّب بعض المسلمين نفسه مساعدا لله وكأنه امتلك مفاتيح الرّحمة فيدخل هذا الجنّة ويدخل ذاك النّار وما هو إلا بشر قد يكون خطّاءً أكثر من الآخرين؟ قال الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم : “قال رجل : والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله : من ذا الّذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ إنّي قد غفرتُ له، وأحبطتُ عملكَ” (صحيح مسلم)..
تحدّث المفكّر يوسف الصّدّيق أنّ الله يحاسب على القلوب والأخلاق وأنّ المصلّي قد يكون مرائيا وسيّء الطّباع أكثر من السّكران.. والأسوأ من هذا كلّه اعتقاد المسلمين أنّهم وحدهم يمتلكون الحقيقة والصّواب ووحدهم المرحومون دون البشر والبقيّة كلّهم في جهنّم كالحون مهما فعلوا من خير للإنسانية فيكفي -حسب رأيهم- أن يصلّي الإنسان 5 مرات في اليوم ويقول إنّه مسلم حتى يرحمه الله مهما فعل من آثام، أمّا اليهود والنّصارى وكل الأمم فهي محروقة في الآخرة… وقد تحايل بعض الفقهاء على معاني القرآن رغم وضوح بعض الآيات على غرار قول الحقّ جلّ وعلا : “إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون” البقرة 62
وقد بيّن الصّدّيق أنّ الاختلاف سنّة في كون متحرّك غير جامد ولا يمكن أن يشبه النّاس كلّهم بعضهم البعض.
المشكل أنّ المفكّر والكاتب لا يفتي بل يعطي وجهة نظره بعد أن يصفّي قلبه ونيّته لله ويفني عمره في دراسة الأديان على غرار يوسف الصّدّيق ومع ذلك يتهجّمون عليه وهم في ذلك يسيئون للإسلام الذي يدعو إلى الرّفق حتى مع الظالمين… ومن أنتَ حتى تحكم على فلان أنه فاسق أو مؤمن أو كافر؟
ليتَ المسلمين انكبّوا على المشاكل الحقيقية للمجتمعات… ليتهم رأوا الانتحار والزطلة والفقر والبطالة والتفكّك الأسري والطلاق والقتل والسرقة وكره العلم والثقافة واللّامبالاة (اخطى راسي واضرب) والعنف المادّي واللفظي والتلوث البيئي والعنوسة وغياب السّتر والعفاف وبيوت الدّعارة حيث الاتجار بالنساء المسكينات في كل الأمم بينما الفتيات اللّاهيات الممتنعات عن الزّواج هنّ العاهرات حقّا لا يجدن من ينصحهنّ بالطريق المستقيم… كل ذلك وشبابنا يرغب في الهجرة إلى بلاد “الكفّار” رغم أنّهم في بلاد مسلمة أهلها مستقيمون لا يظلمون، رحماء بينهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى !!!
شكرا للمفكّر يوسف الصّدّيق والحمد لله أنّ رحمة ربّنا أوسع بكثير من هؤلاء المتعصّبين وأنّه هو من سيحاسبنا وأنّه يعلم ما في قلوبنا ولا يرضى الرّياء والمظاهر والظلم بجميع أشكاله… الحقيقة أنه لا أحد منّا يتألّى على الله صاحب الأمر كله من قبل ومن بعد يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تُقْلَبُونَ.