قوافلُ العبور… وحدودُ الخوف….اشرف المذيوب

قوافلُ العبور… وحدودُ الخوف….اشرف المذيوب

15 جوان، 20:50

في زمنٍ تنساب فيه الأرواح عبر شاشات الهواتف، وتخترق الكلمات أسوار العقول، ما زالت الأجساد تُوقَف عند حدودٍ من حبرٍ وخرائط.
ما زال العربي يُفتشُ عن “تأشيرة” لعبور شقيقه… وكأنّ الدمَ العربيَّ غريبٌ عن العروق المجاورة.
من باريس إلى برلين… بلا سؤال
في أوروبا، التي شهدت حروبًا طاحنة، ومجازر، ودماء لم تجف إلا قبل عقود، استطاعوا أن يتجاوزوا ذاكرة الدمار، ويوحدوا مستقبلهم.
أسّسوا اتحادًا لا يقوم على الخطابات، بل على القوانين والاتفاقيات والمصالح المشتركة.
فتحوا الحدود، ألغوا التأشيرات، وخلقوا “فضاء شنغن”، حيث يمكنك أن تسافر من فرنسا إلى ألمانيا، ثم إلى إيطاليا، فهولندا، دون أن يُسألك أحد: “من أين جئت؟ ولماذا؟”.
بطاقة هوية تكفي… وكأنك تنتقل من مدينة إلى أخرى داخل وطن واحد.
بل إنهم وحّدوا عملتهم، وسهّلوا العمل والإقامة والتعليم، حتى أصبح الأوروبي يشعر بأن أوروبا وطنه، لا مجرد مجموعة دول.
ونحن… نغلق الأبواب باسم السيادة
أما نحن، العرب والأفارقة، فرغم أننا نتشارك اللغة والتاريخ والدين والثقافة، ما زلنا نطلب من بعضنا “تأشيرات عبور” وكأننا نمر إلى عدو، لا إلى شقيق.
ما زال التونسي يُعامل كغريب في الجزائر، والمغربي يُفتّش في المطار إذا دخل مصر، والليبي يُسأل ألف سؤال في كل معبر.
نتحدث عن “الجامعة العربية” و”الاتحاد الإفريقي”، لكننا نُمارس التجزئة أكثر مما فعل الاستعمار نفسه.
قافلة الصمود… حين كُسر الحلم على حافة الحدود
عندما تحركت قافلة الصمود، لم تكن تحمل سوى الأمل والسؤال: هل يمكن أن نكون أمة؟
شبابٌ من تونس والجزائر والمغرب، من ليبيا وموريتانيا… أناسٌ عاديون، لا سلاح معهم، لا شعارات سياسية، فقط نبضٌ لفلسطين، وشغفٌ بالكرامة.
لكنهم اصطدموا بجدران لم تبنها تل أبيب، بل بناها إخوتهم:
معابر مغلقة، تأشيرات، عراقيل، واتهامات بالتخريب أو التشويش على “السلطات”.
لم تُعطَّل القافلة لأسباب لوجستية، بل لأنها كسرت القاعدة: لا يُسمح للعربي أن يحلم علنًا… ولا أن يعبر بحرية!
لماذا نُفرّق أنفسنا بينما اتحد الغرب؟
الغرب، الذي دمّرت الحرب عواصمه، أدرك أن الخلاص في الوحدة.
اجتمعوا، صاغوا قوانين تضمن الكرامة لمواطنيهم، جعلوا الأولوية للإنسان، لا للحدود.
فلماذا لا نفعل نحن الشيء نفسه؟
لماذا نبقى أسرى الشك، والخوف، والأنظمة التي ترى في شعوبها خطرًا، لا طاقة؟
لماذا ما زال العربي يُعامَل كلاجئ حتى في وطنه الكبير؟
التأشيرة ليست حبرًا… إنها خنجر في الجسد العربي
حين يحتاج العربي إلى “تأشيرة” لعبور وطنه، تصبح التأشيرة وصمة عار في جبين الأمة.
إنها ليست مجرد ختم على جواز، بل ختم على الوعي… بأننا منفصلون، خائفون، عاجزون عن رؤية أنفسنا أمة واحدة.
غزة لا تحتاج إلى حديد… بل إلى قلوبٍ مفتوحة
قافلة الصمود لم تكن فقط شاحنات، بل كانت قلوبًا نابضة بالعروبة، عقولًا ثائرة على الحدود، أقدامًا تريد أن تكتب في الرمل اسمًا واحدًا: الإنسان.
وما أوقفها ليس القانون… بل الخوف من الحلم.
🔚 في الختام…
نحن لا نحتاج إلى إزالة الأسلاك فقط، بل إلى تحرير العقل العربي من الاستسلام.
أن نعيد إليه ثقته بأن الحلم ممكن، بأن العبور حق، بأن الحدود وهمٌ صنعه الخوف، لا الجغرافيا.
ولعل قافلة الصمود لم تصل إلى غزة بعد، لكنها وصلت إلى ضمائرنا، فحرّكت الأسئلة التي حاولت الأنظمة طمسها.

أوقفوا القافلة، لكن هل يمكنهم إيقاف القلوب حين تعبر؟
وهل يستطيع أحدٌ أن يوقف فكرة إذا حان وقتها؟

مواضيع ذات صلة