كبّر الصورة : لا تقل يا رب عندي همّ كبير ولكن قل يا همّ لي ربّ كبير ..رياض يعيش

كبّر الصورة : لا تقل يا رب عندي همّ كبير ولكن قل يا همّ لي ربّ كبير ..رياض يعيش

6 نوفمبر، 21:16

ما يزال دوار كلمات رجل طاعن في السن تحيط بسمعي وبصري. لقد مرّ أمامي وزفر زفرة قوية وصاح: ” ما يسمعني حد…ما عاد يحبني حد…راني مش تهبل !!!” وحين عدت إلى بيتي تأملت مكتبتي…

وعلى نحو مفاجئ انتبهت إلى ورقة منتصبة على سطح مكتبي وكأنها تناديني، تقول الورقة: كان صوت البائع الجوال يصدح في أرجاء الحيّ : “يلّي عندو سعادة .. يلي عندو فرح .. يلي عندو حزن .. يلي عندو دمعات قديمة للبيع …!!!” بسرعة توجهت إلى أمي قائلة: عندي ضحكتين قديمتين أريد بيعهما … فقالت : افعلي ما يحلو لك … اتّجهت إلى البائع مخاطبة إيّاه : يا عم، بكم الضحك اليوم؟ أجابني :ضحكة الطفل بليرة ، وضحكة العجوز بألف … وعلى حسب العمر نشتري … دهشت من الفارق في السّعر وسألته :يا عم الضحكُ ضحكٌ .. لِمَ هذا الفارق في الأسعار ؟؟!

فأجابني :يا صغيرتي ، ضحكة الكبار نادرة … وهذا سبب غلائها ….لم أفهم ما قال ، ولكنّي بعته الضحكتين … واشتريت بثمنهما بسكويتًا… رجعت إلى المنزل ، سألت أمي إن كان لدى جدي ضحكات قديمة … فضحكة الكبار غالية …بحثت أمّي في كلّ أرجاء المنزل … لم تجد أيّ ضحكة لجدي ( جدي لا يضحك كثيرا ).. ولكنّها عثرت على الكثير من دموعه .. أعطتني إياها .. وقالت لي : هذا مصروفك غدا…!!! في اليوم الموالي … وعند سماع صوت العم الذي يشتري الأحاسيس والمشاعر … سألته عن ثمن دموع الكبار قائلة : مؤكّد هي غالية كضحكاتهم ، أليس كذلك؟ فأجابني : كلّا إن دموع الكبار ليست غالية … وهو لا يتاجر بها !!! وأضاف: الكبار يبكون دائماً يا ابنتي ؛ ففي اخر هذا الشارع هناك نهر من الدموع … وفي المقبرة هناك نهر آخر … حتى أنّ أرملة الشهيد تمتلك أكثر من برميلين من الدموع ولم أشتريهما … يا ابنتي، أنا أشتري ضحكات الكبار ، أمّا دموعهم فلا أشتريها … فأنا تاجر نوادر وأشتري ما لا يوجد…. أشتري كذباً من الأمهات، حِكَماً من المجانين ، ووفاءً من المسؤولين … يا ابنتي، لا حاجة لي بدموع الكبار … فكل الكبار يبكون… انتهت أسأل الله أن يريح قلب ذلك الرجل المسن، ولو سمحت الأقدار بملاقاته لاحتضنته طويلا وقلت له: يا أبتي… إذا ضاقت بك الدنيا، فلا تقل يا رب عندي همّ كبير، ولكن قل يا همّ لي ربّ كبير !!!

مواضيع ذات صلة