كيف عرف بورقيبة متى يترك الاقتصاد لأهل الاقتصاد …

كيف عرف بورقيبة متى يترك الاقتصاد لأهل الاقتصاد …

7 افريل، 22:01

توفي الزعيم الحبيب بورقيبة … يوم 6 افريل 2000 ، و عمره يفوق 97 سنة …
رحمك الله يا زعيم … نمطك في القيادة مثال … و صوتك باق لا يموت …
بورقيبة هو القائد الذي رغم تجاذبات الاستقلال استطاع أن يضع تونس في الطريق الصحيح …
إنجزاته من ذهب … نشْر التعليم، توحيد البرامج ، تعصير المضامين ، تحرير المرأة ، حماية حقوقها المدنية ، تنظيم الولادات ، العناية الكاملة بالصحة الأساسية ، تحسين صورة تونس بالخارج ، دعم القضايا العادلة و الحفاظ على الحياد في عالم كان يبحث عن الولاءات الايديولوجية …
انتهت الخرافات في التعليم و فواصل الشعوذة ، اصبحت المدرسة للجميع و تركّز مصعد اجتماعي يعطى نفس حظوظ الرقي للفقراء و للأغنياء ، أعطى حقوقا للمرأة في تونس ما زالت إلى اليوم محرومة منها في ديمقراطيات كبرى ، نظم الإجهاض الذي بقي غير ممكن في دول عديدة محافظة ، أخذنا كل اللقاحات و آثارها ما زالت على سواعدنا ، جواز سفر تونس كان محترما و اسم بورقيبة ميسّرا للفيزا ، و لم ننتمي للدول الكبرى رغم ضغوطات و اغراءات ذلك الوقت …
كل الإصلاحات إجتماعية و تحررية ، و تأثيرها على الاقتصاد كبير … لكن لم تكن لبورقية نظرة للاقتصاد ..
لما قدّم له احمد بن صالح نموذج اتحاد الشغل الذي تحالف مع الحزب الدستوري ، اعتقد بورقيبة ان الاقتصاد القائم على التضامن هو الافضل و هو الذي يعيد الروح الاجتماعية و الانسانية للاقتصاد …
بورقيبة لم يكن يهتم بالمال و ليس له معرفة بعالم الأعمال … حتى في حياته الخاصة …
لكن لما رأى رفضا كبيرا لنموذج التعاضد ، تراجع ، و دعا أهل الاقتصاد لتخطيط نمط جديد …
و مع تقدمه في السن ، و ظهور المرض ، اقتنع أن النظام السياسي كله يجب أن يتغير و ألقى خطابا عظيما في جوان 1970 صحح به الأمور … لقد وضع في الخطاب الخطوط الكبرى للاصلاح السياسي … كما أنه أراد أن يفصل الاقتصاد عن السياسة و يعطي الاقتصاد لحكومة يختارها هو تعمل تحت مسؤوليته و يساعده في الرقابة عليها ممثلو الشعب في البرلمان …
اختار الحبيب بورقيبة صديقه الهادي نويرة وزيرا اول – ذاك الرجل الجدي العظيم ، و الذي كان عارض التعاضد عدة مرات ، و كلّفه بإقامة اقتصاد جديد يرتكز إلى ثوابت علمية ثابته دون دمغجة … كما كلّفه بتعديل دستور 1959 حتى يدرج الحكومة في المشهد المؤسساتي باعتبارها الأداة التي تعتني الجانب الاقتصادي …
لم يكن هذا التوزيع للادوار منصوصا عليه صراحة في الدستور ، و انما منذ ذلك الوقت و على مدى اربعين سنة ، بقينا نتبع اتفاقا ضمنيا يوزع المهام داخل الدولة بحيث أصبح رئيس الدولة يهتم بالسياسة الكبرى و أصبحت الحكومة تهتم بالاقتصاد …
و كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام و دول عديدة اتبعت النموذج الدستوري التونسي …
لكن لما جاء 2011 و رتّب الدستور الجديد في صيغته الصغرى و الكبرى ، انتهى هذا الاتفاق الضمني ، و تجزأت السلطة ، و تمأسست الفوضى ، و لم نعد نعرف من يحكم فعليا سواء في السياسة او في الاقتصاد ، و اصبحت الخيوط تحاك في داخل الأحزاب و مؤسسات الدولة واجهة فقط لتحالفات حزبية …
لا أريد العودة الى الخلافات التي انشأها الدستور داخل الدولة … اكتفي بالقول أن في 2022 أعاد الرئيس قيس سعيد فلسفة دستور 1959، و كان هذا هاما جدا لاستقرار البلاد …
لكن رغم ان الإطار المؤسساتي الجديد الذي اتى مماثلا للاطار المؤسساتي الأول( مع بعض الفوارق البسيطة ) ،إلا أن توزيع الادوار الضمني الذي يحكم النظام السابق بين رئيس الدولة و الحكومة لم يعد …
بقي الرئيس يمارس كل السياسات ، و دور الحكومة خافت …
يا ليت الرئيس قيس سعيد يعود إلى نمط الدولة القديم ، فيهتم بالسياسة العليا و يطلق أيدى الحكومة حتى تمارس الاقتصاد بكل مسؤولية…
تبقى مسألة إختيار الأشخاص هي المسألة الأدق و في هذا كلام كثير …

مواضيع ذات صلة