لغز في حرب إيران وإسرائيل: ما مصير 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب؟

لغز في حرب إيران وإسرائيل: ما مصير 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب؟

25 جوان، 09:00

بعدما تفاخر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدمير القدرات النووية الإيرانية، حذر خبراء من أنه لا يزال من المبكر تقييم التأثير الفعلي على برنامج إيران النووي، إذ لا تزال هناك العديد من الأسئلة بعد ضربات الأحد، خاصة بشأن مكان وجود مخزون إيران الحساس من اليورانيوم المخصب.

واستهدفت الضربات الأميركية ثلاثة مواقع نووية إيرانية؛ هي أصفهان ومنشأتي التخصيب الرئيسيتين في فوردو ونطنز. ورغم الإبلاغ عن أضرار جسيمة، أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) عن قلقها إزاء مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة قريبة من الدرجة المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية.

وزعمت إيران أنها نقلت “سراً” معظم اليورانيوم المخصب لديها إلى موقع غير معلن قبل أن تشن الولايات المتحدة غارات جوية منسقة على منشآتها النووية.

كما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية، الملتقطة قبل يومين من الهجوم على منشأة فوردو، 16 شاحنة بضائع على طريق يؤدي إلى المجمع. ونشرت شركة ماكسار تكنولوجيز، وهي شركة مقاولات دفاعية أميركية مقرها كولورادو، صوراً التُقطت في اليوم التالي تُظهر أن الشاحنات ابتعدت عن الموقع، وسط تساؤلات عديدة، لعل أهمها: لماذا لم يقصف الأميركيون والإسرائيليون هذه الشاحنات؟ وأليس من الطبيعي أنهم تتبعوا مسار الشاحنات فعرفوا وجهتها الأخيرة؟.

وبينما تُجري إدارة ترمب تقييماً شاملاً لحجم الأضرار، فإن السؤال الأساسي هو: هل تم فعلاً تدمير البرنامج النووي الإيراني؟ أم تم ببساطة نقله إلى منشآت أصغر وأكثر سرّية يصعب اكتشافها؟

ويشير خبراء ومحللون إلى أن الاجابة عن هذا السؤال تعتمد بشكل كبير على ما حدث لمخزون إيران البالغ 400 كيلوجراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة قريبة من نسبة الـ90% المطلوبة لصنع سلاح نووي، والتي تم استخراجها من منشأة فوردو، بحسب تقارير.

وقال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، لشبكة ABC News، إن الكمية المفقودة يُحتمل أن تكون كافية لصناعة ما يصل إلى 10 قنابل نووية، مما أثار مخاوف حقيقية.

أين ذهبت 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب؟
تمتلك طهران نحو 408.6 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، التي أفاد مفتشوها أنهم شاهدوا هذا المخزون آخر مرة في 10 يونيو. ويُعتقد أن هذه الكمية، إذا ما تم تخصيبها بشكل إضافي، يمكن نظرياً أن تكفي لإنتاج أكثر من 9 قنابل نووية.

وطالب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، الاثنين، بالحصول على حق الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية، قائلاً إن الوكالة بحاجة إلى “حصر” المخزون من اليورانيوم المخصب.

وازدادت المخاوف بشأن مصير هذا المخزون الحساس. ففي 13 جوان، وهو اليوم الذي بدأت فيه إسرائيل هجومها ضد إيران، وجّه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رسالة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلن فيها عن تفعيل “إجراءات خاصة لحماية المعدات والمواد النووية”.

وقال رئيس قسم انتشار ونزع الأسلحة في مركز جنيف للسياسات الأمنية مارك فينو إن إيران توقعت الضربات الأميركية على منشآت التخصيب الثلاثة الرئيسية في نطنز وفرودو وأصفهان.

وأثيرت الشكوك بشأن ادعاءات ترمب بعد أن اعترف كبار المسؤولين الأميركيين بأنهم لا يعرفون مصير مخزون إيران من اليورانيوم الذي يكفي لصنع قنبلة نووية، وفقاً لصحيفة The Telegraph.

وأكدت تقارير مسؤولين إسرائيليين ومحللين عسكريين أن إيران نقلت نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60% قبل الهجمات. ويُرجّح أن هذه المواد نُقلت من فوردو وأصفهان إلى مكان سري.

وتشير التقديرات إلى أن اليورانيوم عالي التخصيب كان مخزّناً في نطنز، وسط إيران؛ وفي فوردو، المنشأة الرئيسية للتخصيب التي تم حفرها عميقاً داخل جبل قرب مدينة قُم؛ وكذلك في أنفاق بموقع أصفهان. وبعد أن يتم تبريده، يُخزَّن على شكل مسحوق داخل أسطوانات كبيرة، تشبه سخان الماء المنزلي.

وذكرت “فاينانشيال تايمز” أن المخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والذي يُعد جزءاً من مخزون إجمالي يزيد عن 8400 كيلوجرام، أغلبه من اليورانيوم منخفض التخصيب، ويعني أن طهران تمتلك القدرة على إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لصناعة عدة قنابل نووية خلال أيام، إذا ما اختارت ذلك، لكن عملية تحويل هذه المواد إلى سلاح فعلي قد تستغرق عدة أشهر أو حتى عاماً كاملاً.

وتخصيب اليورانيوم هو عملية زيادة تركيز نظير اليورانيوم-235 في اليورانيوم الطبيعي. ولصنع سلاح نووي، يجب تخصيب اليورانيوم إلى حوالي 90% من اليورانيوم-235.

وتعمل إيران على تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي، التي تقوم بتدوير غاز سداسي فلوريد اليورانيوم بسرعات عالية لفصل نظائر اليورانيوم، ما يؤدي إلى زيادة تركيز اليورانيوم 235.

وكانت إيران تستخدم أجهزة طرد مركزي متطورة مثل IR-2m وIR-6 قبل الضربات. وتُقلل هذه الأجهزة الوقت اللازم لإنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة.

ووفقاً لجمعية الحد من الأسلحة، كان بإمكان إيران بناء قنبلة نووية في أقل من أسبوعين بفضل قدراتها السابقة.

وقال كبير مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق يسري أبو شادي إن إيران تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 90% أو أكثر، مشيراً إلى أنه في حال امتلكت طهران نحو 500 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب، فيمكنها تصنيع 10 قنابل ذرية.

وأكد أن قنبلة واحدة تحتاج إلى 42 كيلوجراماً من اليورانيوم المخصب، لكن تصنيع القنبلة عند درجة نقاء 60% أمر غير مفضل، لأن تأثيره ضعيف، وتصميم القنبلة سيكون ضخماً، ولن تجد طهران وسيلة لحمل أكثر من طن ونصف”.

من جانبه قال رئيس قسم انتشار ونزع الأسلحة في مركز جنيف للسياسات الأمنية مارك فينو إنه يمكن تصنيع سلاح ذري خام بنسبة 20% أو 60% من اليورانيوم عالي التخصيب، لكن ذلك يتطلب كميات كبيرة ولن يكون قوياً جداً.

وأضاف أنه للوصول إلى مستوى 90% من اليورانيوم عالي التخصيب، ستكون هناك حاجة إلى مئات من أجهزة الطرد المركزي.

مخاوف بشأن المخزونات المخفية
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن المنشأة المتضررة بالفعل في أصفهان تعرضت لعشرات الضربات الصاروخية، لكنها كانت تحتوي على القليل من اليورانيوم المخصب أو لا تحتوي عليه على الإطلاق عندما تعرضت للقصف.

وأثار ذلك المخاوف من إمكانية ملاحقة الولايات المتحدة وإسرائيل اليورانيوم “المهرب” للقضاء عليه قبل أن تتمكن طهران من صنع قنبلة نووية.

ورغم ادعاء الولايات المتحدة تدميرها القدرات النووية الإيرانية، أقرّ مسؤولون بجهلهم بموقع اليورانيوم المنقول.

وتعتمد قدرة إيران المستمرة على إنتاج أسلحة نووية على أجهزة الطرد المركزي والبنية التحتية المتبقية لديها. ويعتقد محللون أن إعادة البناء قد تستغرق سنوات، لكنها لا تزال تُشكل مصدر قلق أمني.

وفي حال قررت الولايات المتحدة أو إسرائيل، استهداف المخزون النووي المهرب، في حال معرفة موقعه، فإن ذلك سيؤدي إلى إطلاق غاز سام كيميائياً، لكنه لن يتسبب في انفجار نووي، بحسب فينو.

مواضيع ذات صلة