للحقيقة والتاريخ إلى الذين يهللون للتدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية !..مصطفى عطيّة
وأنا استمع وأقرأ للبعض وهم يهللون للتدخل الأجنبي السافر في شؤون بلادنا الداخلية، تذكرت هذه الواقعة التي عشت تفاصيلها وتداعياتها، وهي تؤكد ان الحرية والوطنية توأمان متلازمان، إن تداعى أحدهما سقط الآخر:
كانت خيوط الشمس تتسلل ، بٱحتشام من وراء السحاب في ذاك اليوم الشتائي من شهر فيفري 1995 فتبعث الدفء والإنتعاش في النفوس.
كنا مجتمعين على مائدة الغذاء بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات وكان من بين الحاضرين المرحوم صلاح الدين معاوي، الذي لم يمض على تعيينه وزيرا للسياحة والصناعات التقليدية إلا بضعة اسابيع، والشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، والوزير اليميني الفرنسي فرانسوا ليوتار، الذي كان وقتها صاحب حقيبة وزارية في حكومة ما سمي ب:” التعايش” بين اليمين واليسار ، خلال الولاية الثانية للرئيس الإشتراكي فرانسوا ميتران.
كان فرانسوا ليوتار، كما أغلب الوزراء اليمينيين، في تلك الحكومة ” المزدوجة”، يكن ” عداوة سياسية” مكشوفة لفرنسوا ميتران، وقد تزامنت زيارته لتونس مع بلوغ تصعيد الإشتراكيين الفرنسيين ضد النظام التونسي ذروته القصوى، الشيء الذي شجع صلاح الدين معاوي، رحمه الله، على توجيه انتقاد لاذع للرئيس ميتران.
جاء رد فعل فرنسوا ليوتار مخالفا لكل توقعات الوزير التونسي، إذ اكفهر وجهه وٱستبد به غضب شديد وهو يردد بصوت مرتفع :” لا أسمح لك بذلك….وليس من حقك التدخل في شأن يخص الفرنسيين وحدهم …ثم هو ، في نهاية الأمر الرئيس المنتخب ، قد نختلف معه ، طولا وعرضا، لكن لا نطعن في شرعيته ولا نسيء لشخصه ورمزيته “!
لم يكتف الوزير الفرنسي بذلك بل كتب تقريرا لحكومته التي تحركت بقوة مثيرة ” زوبعة ديبلوماسية ” مع تونس ، أطفأها الرئيس بن علي بٱستقبال السفير الفرنسي والإعتذار لبلاده عن سوء تقدير وزير السياحة والصناعات التقليدية التونسي.
تعمدت سرد تفاصيل هذه الواقعة لأنها محملة بالعبر والدروس التي نفتقدها في سلوكنا السياسي الراهن، فالتنافس، مهما إشتدت حدته، لا يبيح القبول بٱنتهاك سيادة البلاد والسماح بالأجنبي بالتدخل في شؤونها الداخلية او المس من رموزها، وإلا لما غدا للحرية معنى وللديمقراطية وجود، فعندما يترك بعض وجوه ما يسمى بالمعارضة السياسية العنان لتفاعلاتهم الشخصية قصد الإساءة للوطن والشعب ورموزهما وتشويه سمعتهما في وسائل الإعلام الأجنبية والتهليل للتدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية، فإنهم يرتكبون إثما كبيرا في حق الوطن، كذلك الشان بالنسبة للأحزاب التي تتباهى بٱستقوائها بالأجنبي ، و” الڨومية” الجدد الذين يهرعون للسفارات للتشكي وطلب التدخل في الشأن الوطني الداخلي، ويؤلبون الحكومات الأجنبية والرأي العام الخارجي على وطنهم وشعبهم. لا بد من إيقاف هذا المد الخطير الذي يسيء لقيم ومبادئ العمل السياسي المعارض




