للحقيقة والتاريخ: كنا ومازلنا مجتمع “قساوة وعنف” !

للحقيقة والتاريخ: كنا ومازلنا مجتمع “قساوة وعنف” !

18 افريل، 22:00
  • عندما تباغتنا المعلومات المتواترة بسرعة مذهلة وكثافة ضخمة بذاك الكم الهائل من الجرائم البشعة والوقائع المشحونة بالعنف بجميع أشكاله، والتي أصبحت ظاهرة مثيرة للقلق في كل الأوساط دون إستثناء، نجد أنفسنا أمام سؤال حائر ومزعج في ذات الآن : هل نحن “أمة وسط” و هل نحن مجتمع “تسامح وٱعتدال “، كما دأبوا على تلقيننا منذ عشرات السنين ؟ فعندما تتحول البلاتوهات الإذاعية والتلفزية إلى منابر للعنف اللفظي والمشاحنات والتحريض على الفتن والصراعات الجهوية، ولما تصبح الفضاءات الرياضية ساحات فوضى وتجييش وتحطيم ونهب وصدامات بالأسلحة البيضاء، وحين يطل بعض أعضاء الهياكل الرياضية ورهوط المسييرين الفاشلين من وراء تعصبهم الأعمى لتبرير مظاهر التهور والإعتداء السافر على الأخلاق الحميدة، يكبر فينا الخوف ونسارع بالتساؤل: هل عدنا، دون وعي أو بكامل الوعي، إلى تلك الفترات المظلمة من تاريخنا الطويل، وهي عديدة ومرعبة، كم حاولنا إخفاءها وطمسها والتستر عليها. لقد أوهمنا أنفسنا والآخرين بأن أرضنا لم تعرف إلا التسامح والإعتدال، في حين أن الحقيقة خلاف ذلك تماما، فقبل الفتح الإسلامي عاش التونسيون ويلات الصراعات القبلية النوميدية، وفي العهد الإسلامي عرف عنف وتخريب قبائل بني هلال الأعرابية، ثم إنساق وراء مشعوذ من الخوارج الأباضيين، يدعى أبا يزيد مخلد الخارجي، ويلقب ب:”صاحب الحمار”، ثم جاء عهد الدايات بالمجنون الدموي مراد الثالث، “بوبالة”، الذي كان يقتل لإرضاء دمويته المرعبة، حتى مات موتة شنيعة، وسار على منواله الكثير من البايات الحسينيين الذين نكلوا بالشعب التونسي تنكيلا “أفنى الشحم واللحم وأنكى بالعظم”، حسب تعبير إبن أبي الضياف، وفعلت الحرب الباشية الأهلية بالتونسيين ما عجز المؤرخون عن وصف أهوالها، حتى إندلعت ثورة علي بن غذاهم وما رافقها من كر وفر وخيانات وتعذيب وقتل، ليموت قائدها في سجن كراكة حلق الوادي مقيدا بالسلاسل، لذلك سارع الزعيم الحبيب بورقيبة إثر الإستقلال بوضع منظومة تربوية وترشيدية وثقافية لغرس قيم الوسطية والإعتدال والتسامح في العقول، لكن يبدو أن الزرع لم يأت بالحصاد المنتظر، إذ بمجرد سقوط النظام السابق، وٱنتشار الفوضى وٱتساع رقعة الإنفلات تحت مسميات مخادعة، كالثورة و الحرية والديمقراطية والتمييز الإيجابي ، تعرت الحقيقة الصادمة، وٱكتشفنا مذهولين أننا شعب عنيف، ولم نتخلص بعد من تراكمات ماضينا المشحون بكل مظاهر الشدة والقساوة.

مواضيع ذات صلة