للحقيقة والتاريخ… نعم … نحن “شعب عنيف” !..مصطفى عطيّة

للحقيقة والتاريخ… نعم … نحن “شعب عنيف” !..مصطفى عطيّة

8 ديسمبر، 16:00
  • عندما تباغتنا المعلومات، المتواترة بسرعة مذهلة وكثافة ضخمة، بذاك الكم الهائل من الأحداث والوقائع المشحونة بالعنف بكل أشكاله، والتي أصبحت ظاهرة مثيرة للقلق في كل الأوساط دون إستثناء، نجد أنفسنا أمام سؤال حائر ومزعج في ذات الآن : هل نحن “أمة وسط” ومجتمع “تسامح وٱعتدال”، كما دأبوا على تلقيننا منذ عشرات السنين ؟
  • فعندما تتحول البلاتوهات الأذاعية والتلفزية إلى منابر للعنف اللفظي والمشاحنات والتحريض، ويرتقي منحرف “تاريخي” كعلي شورب إلى مرتبة البطل الأسطوري في مسلسل تلفزي موجه للعامة، ولما يصبح الفضاء الإفتراضي ساحة للفوضى والإحتقان والتراشق بالتهم الوضيعة، والملاعب الرياضية خزانا مضطرما بنيران الصراعات الجهوية، والشارع ملغما بالمنحرفين، وحين يجرؤ التلاميذ على الإعتداء على أساتذتهم لفظيا وماديا، ويطل رئيس دولة مؤقت سابق عبر شاشات أجنبية دأبت على إضرام الفتنة في بلادنا، ليدعو الناس إلى التمرد والعصيان، يكبر فينا السؤال وتشتد معه الحيرة : هل عدنا، دون أن نشعر، إلى تلك الفترات المظلمة من تاريخنا الملوث بالعنف، وهي عديدة ومرعبة، وكم حاولنا إخفاءها وطمسها والتستر عليها؟
  • لقد أوهمنا أنفسنا والآخرين بأن أرضنا لم تعرف إلا التسامح والإعتدال، في حين أن الحقيقة، مع الأسف الشديد، خلاف ذلك تماما. فقبل الفتح الإسلامي إرتمى الشعب التونسي بين أحضان المسيحية الدوناتية والأريوسية وتدثر بتطرفهما، وفي العهد الإسلامي عاش تحت سلطة دولة شيعية إسماعيلية متشددة، من سنة 909 إلى سنة 972 للميلاد، ثم إنساق وراء مشعوذ من الخوارج يدعى أبا يزيد مخلد الخارجي ويلقب ب:”صاحب الحمار”، وجاء عهد الدايات بالمجنون الدموي مراد الثالث، قبل أن يدخل البايات الحسينيون مرحلة طويلة من قطع الرؤوس، وهكذا حتى حل الإستعمار لينكل بالشعب شر تنكيل، لذلك سارع الزعيم الحبيب بورقيبة، إثر الإستقلال، بوضع منظومة تربوية وترشيدية وثقافية شاملة لغرس قيم الوسطية والإعتدال والتسامح في العقول، لكن يبدو أن الزرع لم يأت بالحصاد المنتظر، إذ بمجرد سقوط النظام السابق وٱنتشار الفوضى، وٱتساع رقعة الإنفلات تحت مسميات مخادعة كالحرية والديمقراطية، تعرت الحقيقة الصادمة، وٱكتشفنا مذهولين أننا شعب عنيف، ولم نتخلص بعد من تراكمات ماضينا المشحون بكل مظاهر الشدة والقسوة. ولا مفر لنا من الإعتراف بهذه الحقيقة والإنكباب على معالجتها تعليميا وثقافيا ودينيا وٱجتماعيا، قبل فوات الأوان.

مواضيع ذات صلة